رغم انف الدستور والنتائج التي اعلنت عنها المفوضية المستقلة للانتخابات، تم اقصاء المرشح الفائز باعلى الاصوات؛ ما يقارب الثلاثة ارباع مليون صوت في بغداد وحدها، وكتلته التي تجاوزت أقرب منافسيها باكثر من ضعف عدد المقاعد النيابية.
هكذا تم اسدال الستار على الفصل الاخير من هذه التجربة المعاقة، والتي اغتربت من اللحظة الاولى لولادتها عن روح الديمقراطية ومستلزماتها المجربة عند الامم التي وصلت لسن التكليف الحضاري. وبالرغم من الآثار المدمرة لهذه الطعنة النجلاء الموجهة لهذه التجربة السياسية الفتية، الا انني لا أشعر بالأسف على ما حصل للكتلة التي طرحت نفسها كمدافع عن (الدولة والقانون) من دون ان تدرك حقيقة ان هذا العنوان لا يتحقق داخل الاجواء المعتمة للشرنقة الطائفية، والتي حذرنا منها مراراً وتكراراً من دون جدوى، ليدرك الجماعة متأخرين نوع المجاهدين والفضلاء الذين سلموهم الامانة التاريخية.
كما ان الولايات المتحدة الاميركية وبالرغم من مكانتها الدولية ودورها الحاسم في عالم القطب الواحد، ادارت وبكل خفة ظهرها لبديهيات الحياة الاميركية وثقافتها في احترام ما ينضح عن الصناديق من ارقام ومعطيات. غير القليل من المدمنين على اجترار قات الاجابات الجاهزة، سارعوا لتاكيد ما رسمه قيح تنبؤاتهم العبقرية لمثل هذه النهايات الغرائبية للعملية الديمقراطية في هذا الوطن المنكوب بالمخلوقات الممسوخة. كما تصاعدت وتيرة الحماس والتشفي عند قوى وجماعات لم يعرف عنها غير عداءها الشديد لكل ما حصل منذ لحظة تبخر النظام المباد الى يومنا هذا، بعد قرار رئيس الجمهورية المنتخب بفضل تصويت الكتلة الاكبر له، بالخنوع لمشيئة الارادة الدولية المولعة بتقنيات الحيل الشرعية لمجاهدي الفتح الديمقراطي المبين.
بعد هذه القفزة الوراثية في مجال بناء التجارب الديمقراطية، نكون قد حصلنا على نسخة متطورة من عمليات التخصيب بين اقتراحات خبراء البيت الابيض في الشرق الاوسط، وسدنة الارث العتيد من الحيل الشرعية في هذه المستوطنات القديمة. ومع هذه الدقلة النوعية نكون قد ولجنا طوراً آخر من الاختبارات والتجارب بوصفنا شعوباً وقبائل وملل لم تصل لسن التكليف رغم أنف العدد الهائل من الزعامات التاريخية والقادة والامناء والامراء والرؤساء والمرجعيات والشيوخ من كل الانواع، وعدد من الجنرالات تحسدنا عليه جيوش الصين الشعبية و…
هذا لا يعني ان ما جرى من صفقات ودقلات هو شر محض، ولا هو غريب عن ارث وتقاليد هذه الجغرافيات المولعة بفقه (ذات الشوكة) وتأثير (العين الحمرة) فالطريق للديمقراطية والحياة الحرة والكريمة طويل ومرير، وما هذه الدقلات الا محطات عابرة ستتصفحها الاجيال المقبلة بشيء من الشفقة..!
جمال جصاني