الحلقة الثانية
د. تراشيا بايكون
عسكر طيبة وجماعة الدعوة
حتى الآن يمكن القول إنّ هذه الجماعة، عسكر طيبة، هي الأقرب من بين صديقاتها إلى المؤسسة الأمنية الباكستانية، وهي المنظمة التي تعادي الهند وتتخذ من إقليم بنجاب مقرًا لها. علمًا بأنها الجماعة المليشياوية الأكبر والأوحد في المنطقة المنتمية إلى مذهب أهل الحديث. وبصورة أكبر من أي من الجماعات الأخرى، نجد أن عسكر طيبة تتداخل بصورة متشابكة في النسيج المجتمعي الباكستاني، إذ إنّها تنطلق في عملها بكونها تتمة للدولة الباكستانية، وولاؤها لأسيادها ثابت لا يتزحزح.
وفي دلالة أخرى على مدى الأمن والآمان اللذين يتمتع بهما موقف جماعة الدعوة داخل باكستان والتي يتزعمها حافظ سعيد ، لا بدّ من الإشارة إلى أن هذه الجماعة أقدمت مؤخرًا على إنشاء ما يَشتهر تسميته بـ«المحاكم الشرعية» داخل بنجاب، وهي بذلك تكون قد أسست نظاماً قضائياً موازياً للنظام الرسمي، بعد أن حصلت بطريقة أو بأخرى على الدعم من السلطات الأمنية المحلية. وانطلاقًا من هنا نستطيع أن نرى قدرة هذه الجماعة على ملء الثغرات التي يخلفها غياب الدولة، إنما هذه المرة بعد الحصول على الدعم من الحكومة في مقابل مساندة هذه الحكومة بالتوازي.
وفي حال رأيتم أن هذه الأدلة غير كافية لاقتناعكم ولأن تنقل لكم حقيقة الملاذات الآمنة وعلى الرغم من أن عسكر طيبة لم يضطلع بالهجمات الكبيرة في الداخل الهندي منذ تلك الهجمات التي نفذها في عام 2008 في مومباي.
2 – جيش محمد
جيش محمد ـ هو تنظيم آخر يتخذ من أقليم بنجاب مقرًا له ويجاهر بالعداء للدولة الهندية ـ وهو الذي سطع نجمه من جديد في الآونة الأخيرة بعد مدة لا بأس بها من الأفول، ففي أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول برز شرخ كبير داخل صفوف تنظيم جيش محمد حول ما إذا كان من الأوْلى الإبقاء على العلاقات مع الدولة الباكستانية، وبالتالي فإن الصراع الداخلي قاد إلى انقسام كبير انفصلت بمحصلته جماعة لا بأس بها عن التنظيم وراحت تجاهر بالعداء للدولة الباكستانية، وعليه فقد انخرطت بالعديد من الهجمات في الداخل الباكستاني.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن عواقب هذا الإنفصال جاءت وخيمة على فصائل جيش محمد التي ظلت على ولائها للدولة الباكستانية، ولكن على ما يبدو فإن التنظيم استطاع أن يتعافى من المحنة، ولا سيما بعد أن قاد هجومًا في شهر كانون الثاني ضد إحدى محطات القوات الجوية الهندية. علماً أن العديد من المراقبين يطرحون فرضية أن يكون هذا التعافي في هيكلية تنظيم جيش محمد جاء في الجزء الكبير منه على خلفية الدعم الذي أمنته له المؤسسة الأمنية، ولا سيما في معرض جهودها الرامية إلى احتضان المزيد من الجماعات العدائية. ومن جانبه فإن تنظيم جيش محمد يقدم الفرصة الأمثل للمسلحين الذين انقلبوا على الدولة ويفتح الباب أمام عودتهم إلى أحضان السلطة. أما من جانبها، وفي سبيل جعل تنظيم جيش محمد أكثر جاذبية والعودة إليه، يبدو أن المؤسسة الأمنية لا تمانع البتة أن تسمح له بأن يقوم ببعض الضربات المحدودة داخل الأراضي الهندية على نطاق ضيق.
وعلى خلاف غيره من التنظيمات الموالية للحكومة، فإن المنضويين تحت لواء تنظيم جيش محمد قد سبق لهم أن انخرطوا في بعض أعمال العنف ذات الخلفية الطائفية في باكستان، وعلى الأرجح هم ما يزالون مضطلعين بهذه الأعمال.
وفي حال عزم الجيش الباكستاني على الوقوف في وجه هذا التنظيم، فعلى الأغلب سوف تشهد الساحة في أقليم بنجاب أعمال عنف واسعة النطاق، علمًا بأن هذا الإقليم هو الأكثف من ناحية التعداد السكاني داخل باكستان والأقوى من الناحية السياسية، إذ إنه مسقط رأس رئيس الوزراء. مع الإشارة إلى أن كلّاً من تنظيمي جيش محمد وعسكر طيبة على حدٍ سواء متشابكان بشدة كبيرة داخل النسيج المجتمعي البنجابي، وبالتالي فإن أي مواجهة داخل هذا الإقليم من الممكن أن تطرح تهديدًا قويًا على استقرار البلاد برمتها.
3- شبكة حقاني
وحركة طالبان الأفغانية تتمتعان شبكة حقاني وحركة طالبان الأفغانية، بالملجأ والحماية داخل باكستان. فكلتاهما تتمتع بالعناصر الفاعلة والناشطة في شتى المدن الكبرى في باكستان، إلا أنهما لا تركزان نشاطهما إلا في المناطق الباكستانية المحاذية تمامًا للحدود انطلاقًا من معاقلهما المحصنة داخل أفغانستان، إنما وبصورة خاصة نجد أن حركة طالبان الأفغانية تتمتع بحضور واسع داخل بلوشستان في حين أن شبكة حقاني تجد لنفسها الملاذات الآمنة داخل المنطقة القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية.
أما بالمقارنة بين هاتين الجماعتين فإن الترجيحات تقول إنّ المؤسسة الأمنية الباكستانية تجد نفسها على علاقة أعمق مع شبكة حقاني، إذ إن العلاقة بين الإثنين إنما تعود إلى ما قبل تأسيس حركة طالبان الأفغانية أصلاً. وعلى نحوٍ لافت نلاحظ أن قيادات شبكة حقاني لطالما كانوا أكثر استعدادًا لاستهداف المصالح الهندية داخل أفغانستان.
. أضف إلى ذلك أن البنية التحتية الموسعة التي تتمتع بها شبكة حقاني في الشمال من وزيرستان تعد واحدة من أهم الأسباب التي لطالما كانت تثني الجيش الباكستاني عن التخطيط للقيام بالعمليات العسكرية في تلك المنطقة، وفي عام 2014، وأخيرًا عندما أطلق الجيش عملية ضربة غضب سرت الشكوك والتساؤلات حول هذه العملية عندما عمدت شبكة حقاني من دون سابق إنذار إلى تغيير معاقلها نحو كورام، ما طرح علامات الاستفهام بشدة حول إمكانية أن تكون الشبكة قد تلقت التحذيرات مسبقًا بشأن العملية المزمعة. وعلى الرغم من أن شبكة حقاني آنذاك عادت إلى الساحة وكأن شيئًا لم يكن من دون أي مكروه أصابها ولكن ذلك لم يمنع بعض الشائعات من أن تسري وتشي بأن العمليات العسكرية التي جرت في الشمال من وزيرستان تسببت بتوتر العلاقات ما بين شبكة حقاني وقوات الأمن الباكستانية. ومع ذلك فلا مجال للإنكار أن هذه العلاقة التي تربط الشبكة بالجيش تظل ذات أهمية كبرى بالنسبة إلى هذا الأخير، حيث إن زعيم شبكة حقاني سراج حقاني يحتل المركز الثاني داخل حركة طالبان الأفغانية، إضافة إلى أن جميع عناصر قيادة شبكة حقاني والمؤسسة الأمنية الباكستانية على حدٍ سواء تدركان أن لا غنى لإحداهما عن الأخرى على نحوٍ متساوٍ، على الرغم من غياب الألفة بينهما. وخلافاً للعلاقات التي تربط الجماعات المتمركزة في إقليم بنجاب بالسلطات الباكستانية فإن علاقة هذه الأخيرة مع كل من حركة طالبان الأفغانية وشبكة حقاني قد بُنيت في الأساس على المصالح المتبادلة حيث إنّ طرفي هذه العلاقة يحافظان عليها.
إنما ولسوء الحظ فإن السلطات الباكستانية ترى أنه ليس بمقدورها أن تجتث المجموعات المسلحة الأفغانية من ملاذاتها داخل باكستان، وأن تطلب منهم في الوقت نفسه الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وعلى الرغم من عدم أرجحية الفكرة، ولكن في حال افترضنا أن السلطات الباكستانية عزمت على الوقوف في وجه الجماعات الأفغانية المتمردة والتصدي لها داخل أوكارها الآمنة، فما من شك في أنها سوف تفقد نفوذها عليها وقدرتها على فرض الضغوط عليها من أجل اللجوء إلى مفاوضات السلام.