ديمقراطية منزوعة السلاح

بالرغم من اعداد المنتسبين الهائلة لأجهزة الجيش والشرطة وقوات الأمن والارتال غير المحدودة للحمايات الشخصية، بعد الفتح الديمقراطي المبين، الا ان غالبيتها العظمى برهنت عن خوارها وعجزها في مواجهة بواكير التحديات التي واجهتها التجربة الديمقراطية الفتية، حيث كان من المفترض بهذه الاجهزة الذود والدفاع عنها. والعلة في ذلك وكما حذرنا مراراً، يعود الى القوى والكتل والشخصيات التي تنطعت لبناء اجهزة الدولة الجديدة، والتي تفتقد الى ابسط مقومات ومستلزمات هذه المهمات الانتقالية الحاسمة في تاريخ الشعوب والامم. لذلك تم اعادة انتاج هياكل تلفيقية من ذات الركام الذي خلفته حقبة الاستبداد، من جنرالات ومراتب اعادوا بدورهم الروح لقيم العسكرية المتخمة بالفساد والممارسات المهينة لكرامة الانسان وحقوقه المشروعة. لذا لم يكن غريباً على مثل هذه الكيانات المتورمة، ان تتبخر بمواجهة عصابات داعش المتراصة خلف مشروعها المضاد لكل ما يمت بصلة لمنظومة الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، فالمواجهة مع قوى الهمجية والتخلف لا يمكن ان تقوده قوى منخورة ومثقلة باسمال الفساد والتخلف، بل تحتاج الى رأس رمح ديمقراطي ووطني يؤمن بالهوية العراقية وكرامة سكان هذا الوطن المنكوب من دون تمييز عرقي أو ديني أو طائفي.

هذه المهمة الغائبة هي التي تقف خلف كل هذه المشاهد الغرائبية والمؤلمة والتي نضح عنها اناء المواجهات الاخيرة، والهزائم ستتواصل مع اصرار اولي الامر الجدد على سكراب اوهامهم العقائدية وتصوراتهم لبناء الدولة والتجربة الجديدة، خاصة في مثل هذه الظروف والمناخات التي انحدرت اليها المنطقة باسرها، حيث الاحتقان والتمترس خلف بيارغ “الهويات القانلة”، هذا الماراثون لذي يمكن ان يقذفنا الى هاوية لا يدرك قعرها حتى الراسخون بفقه الهذيانات الجمعية والغيبوبة الكبرى.

ان المتابع لتطور الاحداث التراجيدية في هذا الوطن المنكوب، لا يحتاج الى جهد كبير كي يكتشف نوع القوى الصاعدة في الآونة الاخيرة، حيث تلقفت زمام الأمور على كل الجبهات والمتاريس المتنازعة ما يمكن ان نطلق عليه بـ (الفصائل الأشد ايماناً) كما حصل مع اشقاءنا اللبنانيين، والذين اصبح قرارهم الوطني رهن اشارة الدول الاخرى. وهذه المعطيات المؤلمة تؤشر على حجم الانحطاط والانحدار الذي تدحرجنا اليه بفعل منهج وسياسة الكتل والزعامات المهيمنة، تلك السياسات البعيدة عن الحكمة والمسؤولية والتي فرطت بالفرص التاريخية بهرولاتها البائسة خلف الشعارات الشعبوية وانخراطهم المسعور ببورصة المزاودات السياسية ضد بعضهم البعض تحت يافطة (السيادة الوطنية) ذلك الشعار الذي لم يستر مئات السبايا وآلاف الضحايا وأكثر من مليون نازح والتضاريس الوطنية المستباحة من رعاع المجتمعات وحثالة الامم.

جمال جصاني    

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة