لا أُؤمن إلّا بساعات زَرقاء

بول فرلين

حُلمي المعتاد
لطالما راوَدني هذا الحُلم الغريب والخارِق
عن امرأة مجهولة، أحبُّها وتُحبّني
لا تكون هي المرأة نفسها، في كلِّ مرّة،
ولا أيَّ امرأةٍ أخرى، تُحبّني وتفهمني.
ولأنّها تفهمُني، قلبي يشِفُّ من أجلها وحدها
يا حسرتاه! ولم تعد هناك مشكلة
من أجلها وحدها، هي الوحيدةُ التي تعرف
كيف تُطرّي بدموعها حُمّى جبيني الذابل.
هل كانت سمراء، شقراء أم صهباء؟ لا أعرف.
ما اسمُها؟ أتذكّر أنّه كان رقيقاً ذا صدى، مثل أسماء
الأحبّة الذين قذفَت بهم الحياة إلى المنفى.
نظراتُها كانت أشبه بنظرات التماثيل
وصوتُها كان بعيداً، هادئاً ورزيناً، فيه انعطافة
تلك الأصواتِ العزيزة التي خمدَتْ.
أغنيةُ خريف
النحيبُ الطويل
لكمنجات الخريف
يجرحُ
قلبي

برتَابة ثقيلة.
مخنوقاً وشاحباً
عندما تحينُ السّاعة
أتذكّر
أيّاماً قديمة
وأبكي، وأرحلُ
مع ريحٍ شرّيرة
تحملني قريباً
من هنا
مثل ورقة شجرٍ ميّتة.
تُؤمنين بقراءة الفنجان
تُؤمنين بقراءة الفنجان
بسوءِ الطالع، والألعاب الكبيرة :
وأنا لا أؤمن إلّا بعينيك الشّاسعتين.
تؤمنين بالخرافات
بالأيّام السّوداء، والأحلام.
وأنا لا أؤمن إلّا بأكاذيبك.
تُؤمنين بالله الغامض،
ببرَكةِ أحدِ هؤلاء القدّيسين،
بسلامٍ ملائكيّ ضدّ هذا الشرّ.
وأنا لا أؤمن إلّا بساعاتٍ زرقاء
ووُرودٍ تصُبّين لي رحيقَها بلذَّة
في اللّيالي البيضاء!
ولأنّ إيماني عميق
بكلِّ ما أُؤمن،
لن أعيش إلّا من أجلِك.
فوق السّطح السماء
فوق السّطح السّماءُ
زرقاء جدّاً وهادئة !
تحت السطحِ شجرةٌ
تُهدهدُ عرشها.
دقَّ الجرس بلُطفٍ
في السّماء التي نراها.
غنّى عصفورٌ شكواه
على الشجرة التي نراها.
يا إلهي، يا إلهي، إنّ الحياة هنا
بسيطةٌ وهادئة.
وتلكَ الشائعة الهامِدة
تأتي من المدينة.
تُرى، ماذا فعلتَ
يا مَن تبكي بلا توقّف
اعترِف، هنا حيثُ أنت،
ماذا فعلتَ بشَبابِك؟
بحريّ
المحيطُ الهادر
يخفقُ تحت عينِ
قمرٍ في حداد
ثمّ يخفقُ ثانِية
بينما برقٌ مشؤوم
وعنيف
يشقّ السّماء بدخانٍ طويل
متعرّجٍ وواضِح
وكلُّ شَفرة منه
تغدو وتروح، تلمع وتصرخ
في موجاتٍ متشنّجة
على طول شُعب المرجان
ومن القبّة الزرقاء
حيث يولدُ الإعصار
يزأرُ الرعدُ
بشكلٍ باهر.
إنّها تبكي في قلبي
إنّها تبكي في قلبي
كما لو أنّها تُمطر
فوق المدينة.
أيُّ رتابةٍ هذه
التي تحتلُّ قلبي؟
آهٍ من صوتِ المطر العذب
على الأرضِ وفوق السطوح!
آهٍ من غناء المطر
بالنّسبة لقلبٍ مَلول!
إنّها تبكي بلا سبب
في هذا القلب المُشمئِزّ.
وبعد! ما من خيانة؟…
إنّه حِدادٌ بلا سبب.
إنّه أقسى عذاب
أن لا أعرف لماذا
قلبي حزينٌ جدّاً
بلا حبّ ولا كراهية!
لحنُ الغرام
مثل صوتِ رَجلٍ ميّت
يُغنّي من قعرِ حُفرته،
اِسمعي، يا عشيقتي، صوتي
اللّاذع والمزيّف
صاعداً نحو هِجرانك.
افتحي قلبكِ وأذنيك
لنغمة هذه الماندولينا:
وضعتُ من أجلك،
من أجلك أنتِ، هذه الأغنيةَ
الحَنون والقاسية.
سأغنّي عينيكِ اللتين من ذهبٍ
وعقيقٍ خالص من كلّ الظّلال،
ثمّ أغنّي نهرَ جحيم نهديكِ
ونهرَ جهنّمِ شَعركِ الداكن.
مثل صوتِ رَجلٍ ميّت
يُغنّي من قعرِ حفرته،
اسمعي، يا عشيقتي، صوتيَ
اللّاذع والمزيّف
صاعداً نحو هجرانك.
ثمّ سأمدح كثيراً، بما يليق،
هذا اللّحمَ المبارك
الّذي يزورني عطرُه الفخم
في ليالي الأرق.
وفي النّهاية، سأحكي
عن قبلةٍ على أحمر شِفاهك
وعن رِقّتكِ التي تُرديني شهيداً
-يا ملاكي ! يا إزميل روحي !
اِفتحي قلبكِ وأذنيك
لنغمة هذه الماندولينا:
وضعتُ من أجلك،
من أجلك أنتِ، هذه الأغنيةَ
الحنون والقاسية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة