الماء سر العراق

بلاد مابين النهرين محط رحال الانبياء ومولدهم ومدفنهم وموطن المهاجرين الذين هاجروا اليها من اجل ديمومة الحياة ..اولى الحضارات التي ظهرت في وادي الرافدين ..ومن دون دجلة والفرات ماعرف العراق وماعرف ملوكه وشعوبه التي عاشت في هذه البقعة من العالم وقد صنع الله الجغرافية وتشكلت حدود العراق عبر التاريخ من خلال النهران العظيمان وروافدهما التي تنبع من الدول المجاورة ايران وتركيا وباتت البلاد مصب كبير تستقبل فيه دجلة والفرات المياه المتدفقة في فصل الربيع ومن المنابع ومن مياه الامطار التي ينعم الله بها على الارض وغني عن القول ان الحياة البشرية في مدن العراق تفاعلت وتناغمت مع مسارات نهري دجلة والفرات من منبعهما وحتى مصبهما في شط العرب وتوزع السكان فيه وشيدوا بيوتهم طمعا في الحصول على الماء من اجل العمل في الزراعة والتجارة والصناعة وكانت مهمة الحفاظ على الثروة المائية جزء من مسؤوليات الحكومات المتعاقبة في العراق منذ الاحتلال العثماني مرورا بالاحتلال البريطاني والعهد الملكي والجمهوري وحتى اليوم حيث تولت وزارتا الزراعة والري والموارد المائية فيما بعد رسم استراتيجية السياسة المائية في العراق بالتنسيق مع الدول المجاورة ومن المؤسف ان هذه السياسة تأرجحت بين النجاح والفشل طوال عقود من الزمن ففي حين تمكنت بلدان مجاورة للعراق من تأمين حصتها المائية وتحسبت لسنوات الجفاف ونقص المياه ساد الارتجال والاهمال والسطحية في اداء وخطط المسؤولين في العراق تجاه ملف المياه وتدخل لطف الله وعنايته في سنوات عديدة لانقاذ البلاد من الجفاف والعطش ولطالما انتظرت الحكومة موسم الامطار في الشتاء ليكون طوق النجاة للتخلص من الاتهامات بعدم وجود مشاريع كافية لخزن مياه او لمنع تصريف المياه الصافية الى شط العرب وفي حين نجح الايرانيون والاتراك في تامين حاجة شعبهم من المياه وتصرفوا مع منابع الانهار بمصالح قومية بقي العراق يبحث عن اتفاقيات يستجدي فيها العطف منهما من اجل تأجيل افتتاح السدود في هذين البلدين وبرغم توفر الفرصة في سنوات كثيرة لانشاء سدود جديدة في العراق والبحث عن بدائل لتغيير مجرى نهري دجلة والفرات وتوزيع مياههما بالشكل الامثل بما يؤمن عدم خسارتهما في ايام الفيضان لم تنهض الحكومة العراقية باي مشروع استراتيجي جديد منذ اكثر من خمسة عشر عاما وفي ظل التهديدات الجديدة التي يواجهها العراق اليوم والمتمثلة بانشاء سد اليسو التركي وتحويل مسارات الروافد لنهر دجلة في ايران وحرمان المدن العراقية المجاورة منها وفي ظل غياب تساقط الامطار في وسط وجنوب العراق تخيم نذر الجفاف ويسود القلق والخوف من سنة صعبة على العراقيين وتهديد حقيقي لبيئتهم وصحتهم ونشاطهم وعملهم في الزراعة والتجارة وبات مشهد مجرى دجلة وهو جاف شبيه لشجرة كانت خضراء مثمرة فاصبحت يابسة مصفرة خالية من الاوراق تستنجد من ينظر اليها وتتوسل اليه من اجل ديمومة الحياة فيها ..انقذوا سر العراق ولاتتفرجوا عليه وهو يمرض عطشا للماء ..!!
د. علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة