«الصباح الجديد« في حوار مع جلال الشرقاوي:
حاوره: حيدر ناشي آل دبس:
الفنان الكبير جلال الشرقاوي أحد أهم أعمدة المسرح العربي، قدم الكثير من الأعمال المسرحية تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً، تميّز الشرقاوي بالخلق والابتكار، ورائعته (مدرسة المشاغبين) المسرحية التي غيّرت مسار المسرح العربي نحو التجديد خير دليل على ذلك.
قدم الشرقاوي العديد من الفنانين الذين تتلمذوا على يده، ووضع أسس مدرسة مسرحية قائمة بذاتها، هنا يفتح الشرقاوي قلبه للصباح الجديد:
* الفن فلسفة الحياة، وتجل لخلجات الوجود الإنساني، إلا أننا نجد انزياحاً كبيراً عن السبيل الذي وجد لأجله، كيف تصف ما يجري؟ والى أين المآل؟
– الأسباب كثيرة، لكن أهمها تطور الأدوات السينمائية والتلفزيونية والمخترعات الجديدة كالإنترنيت وما شابه ذلك، كل هذا أثر على الإقبال الجماهيري للمسرح، وهو حياته وديمومته الجمهور، الأمر الثاني أن المسرح التقاء البشر فيما بينهم، الممثل مع المتفرج، أما السينما والتلفزيون عبارة عن صور وخيالات فتكون طريقة الانتشار أكبر وأسرع، فضلا عن ذلك أنك تستطيع نسخ ملايين النسخ من الفيلم او المسلسل وتوزعه في جميع أنحاء العالم، في حين يظل عدد متفرجي المسرح قليل جداً نسبياً، كذلك ان الزمن بمتناول الصورة، برغم محاولات المسرح بمخترعاته الجديدة التغلب على هذه المشكلة إلا أن الفجوة ما زالت شاسعة.
من جهة اخرى الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي القى بظلاله على مسيرة المسرح، خصوصاً دعاة التشدد الديني والذي تمخض عنهم المنظمات الارهابية التي ادت بسطوتها الى تفتيت وتشتيت مجتمعات بأكملها، واليك العراق وسوريا واليمن وليبيا وكذلك الحرب الدائرة في سيناء انصع مثال على ذلك، فهذا بدوره أدى الى قلق واكتئاب وتوتر نفسي مما انعكس على الجمهور، فتجده لم يعد مقبلاً على البهجة او الابتسامة، فأصبح في حالة زهد عن عناصر الترفيه المتمثلة في الفن، وهذا العزوف احد اسباب تأخر دور المسرح.
* تمر المنطقة العربية بأزمات جمة أدت الى دخولنا في أنفاق مظلمة، انعكست سلباً على حياتنا، لذا لا بد من حلول واقعية تنتشلنا من حالة الحطام التي نعيشها، ونعتقد أن إحداها في إعادة الروح الى المسرح السياسي، هل تتفق مع هذا الرأي؟
– للمسرح أنواع وتقسيمات كثيرة، وبتصوري ان المسرح هو السياسة، اذ انه بدأ من الاغريق وكان عبارة عن سياسة، واول مسرحية في التاريخ (الفرس) التي كتبها (اسخيلوس) كانت سياسية، حيث صورت نظم الحكم آنذاك، بين الديمقراطية اليونانية والدكتاتورية الفارسية، واستمر المسرح هكذا منذ (500 ق.م) الى يومنا هذا، وهناك بعض المؤرخين عرّفوا المسرح السياسي على انه «المسرح الذي يتبنى ويعالج مشكلات العالم الكبرى» اي مواضيع الحرب والسلام، الحاكم والمحكوم، الديمقراطية والدكتاتورية… الخ، لكن في عصرنا الحالي اصبح هناك بعدين آخرين يتظافرا مع البعد السياسي وهما الاقتصادي والاجتماعي، فكل عمل يكون محتواه (سياسة، اقتصاد، اجتماع) يصب في بوتقة ما نطلق عليه المسرح السياسي، فأذا عملت مسرحية عن شاب وشابة تخرجا من الجامعة وعملا وارتبطا بقصة حب إلا ان مشاكل اقتصادية منعتهم من الارتباط، اعتبر هذا مسرحاً سياسياً، لان الابعاد الثلاثة موجودة، فالسياسة تؤثر بالاقتصاد، والعكس كذلك، والاثنان يتفاعلان فيؤثرا على البعد الاجتماعي، وفي النهاية ان المسرح السياسي هو الذي يعالج مشكلة ما سواءً كانت سياسية او اقتصادية او اجتماعية.
* نتطلع اليك في كتابة او اخراج عمل مسرحي عن (الرب) وتصوره لعباده وتصورهم له. الرب الجامع لكل من يؤمن به وليس المفّرق (المصطنع)، اضافة الى تجسيده بمتبنيات فكرية متماهية مع الواقع المعاش، لماذا هذا التكاسل؟
– إن الكتابة عن الرب مخاطرة ومغامرة دينية وفنية، لأننا نعلم النزر اليسير عنه «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» لذا الاقتراب من هذه المنطقة محفوف بالمخاطر، ومع ذلك حصلت تجارب سابقة، منها تجربة (أبو العلاء المعري) في رسالة الغفران، وفي إيطاليا (الكوميديا الإلهية لدونتي)، وتجربة مصرية للدكتور (مصطفى محمود) في مسرحيته (زيارة الى الجنة والنار) لكن للأسف لم يقدّر لها أن ترى النور، فقد كان من المفترض أن أقوم بإخراجها، إلا أن المشكلة كانت في أدوات العمل والإمكانية التي يحتاجها، فالمسرحية عبارة عن سبع مشاهد في جهنم وكل مشهد يوضّح طبقة من طبقاتها، والمشهد الثامن في الجنة، وقد سافرت الى ألمانيا من أجل التعرف على أجهزة الخدع الضوئية فوجدت الرقم فلكي، وحاول الدكتور مصطفى مع جهات منتجة لكن بعد دراسة جدوى قاموا بها وجدوا ان المشروع خسران مادياً، هذه المسرحية تقترب من المفهوم الذي ذكرته في سؤالك.
* في أغلب المهرجانات المسرحية العربية تحصد نصوص كتّابها من بلدان عربية على جوائز هذه المحافل لتكاملها، إلا أننا نرى أنانية من المخرج المصري بعدم استعانته بالكتّاب العرب، يا ترى هل يترفع الفن المصري عن أشقائه؟
– ليست أنانية وإنما غفلة وإهمال وهذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها، لأننا لا نعرف الكثير عن المسرح العربي، برغم ذلك حضرت عدة دورات لمهرجان الخليج المسرحي ولم اجد في الاعمال التي تُعرض خروجاً عن الاطار التقليدي، اذ تتميز بالتكرار والملل وليس فيها عنصرا من عناصر التجديد والابتكار، اما العراق يمر بظروف صعبة جداً وقد شاهدت عملاً مسرحياً في العراق منذ ما يقارب الثلاثة عقود للمرحوم (عوني كرومي) وكان ممتازاً، وفي سوريا (سعد الله ونوس) وبعده لم نسمع شيئاً مماثلاً غير مسرح الشوك الذي قدمه (دريد لحام والمغوطي) وهذا لا يعني انه لا يوجد مسرح وانما الكسل الذي لدينا والاهمال في التطّلع لمتابعة ابداع اشقائنا حال دون ذلك، وبالنتيجة مرحباً بالكاتب والمبدع العربي، وهي فرصة لأي مخرج مصري العمل على هكذا مشروع.
* بعد متابعتي لعددٍ من الأعمال المسرحية في مصر، وجدت أنها تحوي (تقاليد مسرحية) يفتقدها المسرح العراقي، هل لك أن توضّح ما هذه التقاليد؟ وعلى ماذا ارتكزت؟
– تقاليد المسرح المصري متغيرة مع التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فتقاليد الماضي لا ترتبط بالحاضر، في اربعينيات القرن الماضي كانت في مصر مدرستين كبيرتين هما مدرسة (يوسف وهبة ونجيب الريحاني) ولهما تقاليداً وقوانيناً متماهية مع زمنهما، وجئنا بعد ذلك ووضعنا تقاليداً جديدة متساوقة مع زمننا بعد الغاء ما سبق، ومن يأتي بعدنا قد يقوم بإلغاء ما وضعناه ويجيء بأشياء جديدة، وهذه إحدى جماليات وعظمة وإبداع المسرح، إذ لا توجد له قوانين ثابتة فهي متحركة دائماً الى الافضل والتجريب سواءً في النص او الاخراج او التمثيل او باقي عناصر العرض المسرحي. اما تقاليد المسرح العراقي لا اعرفها بالرغم من شهرته الواسعة، وانا لم اشاهد غير مسرحية (كرومي) ولا زلت اتذكرها كانت تجربة رائدة وجميلة جداً، حيث كان يعتمد فيها على مجيء المتفرج الى الممثل وليس العكس، فعرضه في مكان مكون من عدة بيوت وحجرات وكان الجمهور يتحرك من حجرة الى اخرى حسب انتقال العرض في الحجرات. لذا لا يمكنني الحكم او ابداء الرأي من خلال عرض مسرحي واحد.
* ماذا في حافظة الفنان جلال الشرقاوي من أعمالٍ مقبلة؟
– في حافظتي مسرحية اتمنى أن يمُد الله في عمري حتى أظهرها الى النور وهي مسرحية (هولاكو) التي أنوي إخراجها للمسرح القومي، وتتكلم عن غزو التتار للعراق في القرن السابع الهجري، ومن خلالها نربط هذا الغزو مع ما حدث للعراق في القرن العشرين.
ولمناسبة الحديث عن العراق قال:
– العراق لا تكفيه كلمة ولا جملة ولا مقال ولا كتاب، إن الكم الهائل من العذاب والمشقة والتضحيات التي قدمها الشعب العراقي لا يمكن وصفها، لقد زرت بغداد عام 2013 فبكيت، إذ شاهدتها قبل هذا التاريخ بعقود فوجدت الجمال والرائحة العطرة والحب في القلوب، وحينما عدت اليها رأيت الدمار والعذابات في الوجوه والخوف المستشري في الأجساد، يا الله ما هذا الرعب؟!! كيف يتحمل الشعب العراقي كل هذا؟ إلا أننا نتمنى في قادم الأيام عودة هذا البلد العظيم ولا سيما بعد الانتصار الباهر الذي حققه الجيش العراقي على تنظيم داعش الإرهابي.