سايمون هندرسون
يستضيف وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في واشنطن بالاشتراك مع وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس حواراً ستراتيجياً بين الولايات المتحدة وقطر. وفي دلالة مبشّرة بالخير على مدى جدية إدارة ترامب إزاء هذا المؤتمر الثنائي الأول من نوعه بين البلدين، تم التأكيد أيضاً على اختيار الوزير تيلرسون كمتحدث في حفل الاستقبال الذي أُقيم من قبل «غرفة التجارة» للوفد القطري مساء الإثنين التاسع والعشرين من كانون الثاني/يناير.
إن التزام واشنطن الرفيع المستوى بهذا الحدث يعود جزئياً إلى انحراف المساعي الأمريكية للتصدي لأنشطة إيران المخلة بالاستقرار في الخليج، عن مسارها منذ أيار/مايو الماضي بسبب اندلاع مظاهر التوتر السافرة داخل «مجلس التعاون الخليجي» بشكل مفاجئ. وفي ذلك الوقت، تعرّضت «وكالة الأنباء القطرية» لهجوم إلكتروني واضح نُشرت فيه تصريحات وهمية متعاطفة مع إيران أدّت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين قطر والتحالف المكوّن من السعودية والإمارات والبحرين ومصر. ثم أصدر التحالف لائحة تضمنت 13 شكوى ضد الدوحة، من ضمنها دعمها المزعوم للإرهابيين.
وقد تجلى الموقف الأميركي من هذا الصدع في بادئ الأمر من خلال تغريدة للرئيس الأمريكي عبر موقع «تويتر» أعرب فيها عن تعاطفه مع الموقف السعودي والإماراتي وجاء فيها: «صرّحتُ خلال زيارتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط أنه لا يمكن أن يكون بعد الآن تمويل لـ «الأفكار المتطرفة». ووجّه القادة أصابعهم نحو قطر وقالوا: انظر!». لكن ثبت بعد وقت قصير أن بعض أعضاء الإدارة الأمريكية اتخذوا موقفاً أكثر حيادية وسرّبوا الخبر القائل إن دولة الإمارات هي التي نظّمت الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له قطر. وبعد ذلك بوقت قصير وقّعت واشنطن والدوحة اتفاقية لمكافحة الإرهاب، لكن الجهود الرامية إلى إقناع الأطراف بمعالجة الأزمة قد تعثرت على ما يبدو بسبب ممانعة القائد الفعلي للإمارات، ولي عهد أبوظبي الأمير محمد بن زايد آل نهيان.
وعلى مدى الشهرين الماضيين، تفاقمت التوترات بين قطر والإمارات مع تبادل الدولتين الاتهامات بتحليق الطائرات العسكرية لكل دولة في أجواء الدولة الأخرى ومع حدوث ضجة بشأن خريطة عُرضت في متحف «اللوفر أبوظبي» تستثني شبه الجزيرة القطرية. وفي ما بدا تراجعاً مدروساً بعناية، أعلنت القوات الجوية الإماراتية في 23 كانون الثاني/يناير أنها تتجنب التصعيد مع الدوحة، وبعد ذلك بيومين أعرب وزير الخارجية القطرية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن موقف مماثل. وفي يوم الإثنين 29 كانون الثاني/يناير، أعلن «اللوفر أبوظبي» أن حذف دولة قطر عن الخريطة كان بسبب «خطأ في الطلبية» [»الإهمال«].
وفي الوقت نفسه، كان الرئيس ترامب يلمّح إلى حدوث تحوّل علني في السياسة الأمريكية تجاه الخلاف. و قبل اسبوعين، وفي محادثة هاتفية أعرب الرئيس الأمريكي عن شكره لأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني على جهوده «لمكافحة الإرهاب والتطرف بكافة أشكاله». وبعد ذلك، وخلال الكلمة التي ألقاها الرئيس الأمريكي أمام «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس في 26 كانون الثاني/يناير بدا أنه يشدد على أهمية وجود جبهة خليجية موحدة حين ضمّن مقدّمة خطابه حول الشرق الأوسط بتصريحٍ معبّر جاء فيه: «لا نزال ندعو شركاءنا إلى مواجهة دعم إيران للإرهابيين». وفي وقت لاحق من ذلك اليوم أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وقطر.
ومن المقرر أن يضم الوفد القادم من الدوحة نائبَي رئيس الوزراء (وهما أيضاً وزيرا الخارجية والدفاع) ووزير الطاقة والصناعة ووزير الاقتصاد والتجارة ووزير المالية. وقد ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية عبر موقعها على «تويتر» أن الحوار «سيناقش مجالات التعاون بين البلدين بما فيها التجارة والاستثمار والدفاع والأمن وإنفاذ القوانين ومكافحة الإرهاب والطيران». ومع ذلك، وإذ تبقى واشنطن ممتنّة لقطر على استضافتها «قاعدة العديد الجوية» والطاقم العسكري الأمريكي المؤلف من عشرة آلاف فرد، إلّا أن هناك أيضاً مسائل عالقة بينها وبين الدوحة، لا سيما فيما يتعلق بالإرهاب – ويفسر ذلك على الأرجح السبب الذي دفع مكتب مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية إلى نشر تغريدة قبل انعقاد القمة مفادها أن «الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وقطر سيتضمن مواضيع مكافحة الإرهاب.»
ويقول مسؤولون سابقون إن أهمية الحوارات الاستراتيجية يمكن أن تختلف اختلافاً كبيراً وفقاً لمستوى التمثيل ونطاق المشاركة من الجانب الأمريكي. ويبشّر المشروع المشترك بين تيليرسون وماتيس بعقد جلسات مثمرة، إلّا أنه لا يمكن تكوين رأي كامل إلّا بعد انتهاء الحوار.
*سايمون هندرسون هو زميل «بيكر» ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.