حاوره الشاعر عمار كشيش
علي السباعي قاص من فرات الناصرية، تطغى على كتابته الروح والهموم الحياتية، يبدع في نقل ما يكمن داخله..ومن هنا نتحاور معه.
نبدأ بالقراءة , أنت من مدمنيها وتحب العالمَ أن يقرأ ، وبما انك تكتب قصصاً قصيرة ما هي نوعية الكتب التي تأخذ منك الأهمية، أهي كتب القصة القصيرة ؟ أم الرواية؟أم كتب أخرى؟
• النهر لا يستمر بالجريان ، ولا ينمو ، ولا يستقيم إلاَّ بروافده ، فإِن نضبت ، جفَّ ومات . وهكذا كل أنواع الكتب روافدي ، ولا خيار لي لنوعٍ منها على آخر . فأن نقصت ضعفت ، وإن زادت أينعت .
في قصصك كم هائل من المعلومات والأسماء، أسماء علماء ،أو فنانين، وأسماء تسحبها من أعماق التأريخ , وأسماء أماكن . منذ متى اخترت توظيف هذه المعلومات ؟لماذا اخترت أن تُقدم قصصك هكذاُ ؟
• القصُ هو : تاريخ . وأعمدته الأسماء التي سميتها ، وأسماء أخرى لم تسمها ؟ مثل الزمان . وإن أردت أن أعدد لك :- (( الأرض والسماوات والأقمار والنجوم والشموس والهواء والماء والنار والنبات والحيوان والإنسان . . . )) . فأن لم تتعلمها ، فلا تفهم « التاريخ « . أي (( القص )) . وكما يُقال التعلم في الصغر كالنقش على الحجر ، فلولا الأخطاء الكثيرة ، صغيرها وكبيرها التي ارتكبتها لما تعلمت ، ولما اهتديت ، ولما اتعظت ، ولما اخترت أن أقدم « التاريخ «
أنت تؤمن بأن القارئ لم يعد يقرأ القصص الطويلة ،وهذا ما ذكرته في حوار متلفز لك , في حين هنالك كتّاب اشتهروا بكتابة الرواية حالياً علي بدر مثلا, ما قولك ؟ ثمة أمر آخر هو أن لديك مشروع رواية هل هو مجرد تجربة أم انك تستمر بالكتابة روائياً ؟
• أَقولُ :- كما قال الأستاذ « محمد فاضل المشلب « في كتابه الموسوم : – (( الإنتلجينسيا العراقيّة في عالم عليّ بَدر الرّوائي . . . دراسة في الرُؤى والتمثّلات )) ، حيث كتب :- ( لا يقف منجز الروائي علي بدر في طليعة المنجز السردي العراقي فحسب ، بل والمنجز السردي العربي المعاصر دون مبالغة ، إذ يشكل ظاهرة غير مألوفةٍ في السردِ العراقي من ناحية غزارة النتاج ، وأهمية الموضوعات والمضامين التي يطرحها في رواياته . فروايات علي بدر تعد وثيقة أدبية ذات صلةٍ وشيجةٍ بالطبقة الوسطى من المجتمع العراقي من جانب ، وتأخذ على عاتقها إعادة قراءة التاريخ المعاصر للعراق لاسيما الثقافي منه من المنظور السردي ، ومناقشة الكثير من قضاياه واجتهاده في طرح تصورات ورؤى شديدة الأهمية عن التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي على لسان الإنتلجينسيا الروائية من جانب آخر ، كل هذه الموضوعات تم تمثلها روائياً عبر الإنتلجينسيا أو الطبقة المثقفة في العراق . . . )) . هذا من جانب ، ومن جانب آخر ما قلته :- (( بأَن القارئ لم يعد يقرأ القصص الطويلة … ))، مؤكداً هذه المقولة أو الهاوي أو حتى الوسطي دون المحترف أو المتخصص اللذين قد تستثنيهما تلك المقولة بدرجةٍ أو أُخرى ، فهذا عصر السرعة واختصار الزمان والمكان فالعالم أصبح قرية واحدة كما يصفون ، ودليلك عالم الإلكترونيات . أما بشأن :- ( تجربة رواية . . . ) أو ( مشروع رواية ) ، فأني خضت وأخوض (( تجربة رواية )) عازماً! ولا أدري هل أنجح أو أُخفق في (( مشروع رواية )) متردداً ؟!
أنت قارئ مثابر، هل تفضل الكتب الالكترونية على الورقية ؟ أم العكس؟
نعم، إن شاء الله تعالى قارئ مثابر، يقولون الحاجة أُم الاختراع، وأنا شرهٌ ورقياً، ومفرطٌ إلكترونياً، وحسب إِشباع الحاجة عندي من غذاء الروح .
من الإصدارات :
إيقاعات الزمن الراقص / مجموعة قصصية / عن :- اتحاد الأدباء والكتاب العرب / سوريا / دمشق / سنة 2002 م.
صرخة قبل البكم / مجموعة قصصية / حصدت الجائزة الثالثة في الدورة الثالثة لمسابقة دبي الثقافية عام 2003/2004 م.
في قصصك تطيلُ الوصف وتعيد نفس الكلمات بين الحين والآخر، هل السبب ان تأخذ قصتك حجماً اكبر؟ وأنت الذي تحدثت عن وضع القارئ الآن (لم يعد يقرأ كتبا كبيرة الحجم)!
• نعم، الإطالة مملة ؛ ولكن لو دققت المكررات بإمعان، لوجدتها تختلف في تصويب الهدف، فتارةً من فوق، وأخرى من أسفل، وثالثةً شمالاً، وأخيرة يميناً؛ وفي كل منها صورةٌ تختلف عن الأُخرى في الشكل والاتجاه والوضوح، كما أن تكرارها يوحي للمتلقي مدى عمق الهيام في فؤاد البطل، وكأنها تكرارات المجنون المختلف عن الإنسان الطبيعي السوي، يا سيدي التكرار : تكرار الكلمات لخلق نغمة موسيقية داخلية أثناء القراءة ، خلق إيقاعٍ خاصٍ بتلك القصة يوائم سير أحداثها حيث يتصاعد تكرار نغمة الكلمة مع تنامي دراما القصة ، وتلك بصمتي ، وتلك ضرورة فنية تحتمها موضوعة القصة التي أدوزن كلماتها حسب سلم موسيقي روحي أراه أنا ويحس به الآخرون .
هنالك من يرى أن قراءة القصص والروايات والشعر مضيّعة للوقت ,ما الذي تقدمه القصة من فائدة للمجتمع للعائلة ؟ هكذا يقولون :- ما الذي قدمه شكسبير بالقياس الى توماس أديسون ؟ وما الذي قدمه نجيب محفوظ امام عالِم اكتشف علاجاً لمرض عضال؟ ما ردك؟
• أُحيلكَّ باحترام الى الآية الثالثة من سورة يوسف؛ والآية الثالثة عشر من سورة الكهف، ومئات الآيات من الذكر الحكيم في القرآن المجيد التي تخبرنا وتقصُّ علينا أخبار وأحوال ومعايش ومدائن وحضارات ومستقبلاً وحياة وممات وجنةً وناراً، ماذا تظن بهذا (القص) أي (التاريخ)؟ هل قال ربنا تعالى هذا عبثاً – حاشى لله – أترك لجنابك الكريم التحليل وباحترام يا سيدي. حضرتك تقيس (القص) بمنظار (مادي) صرف . فقط . وتنسى مزدوج (المادة والروح) صنوان لا يفترقان. أسألك بالله كيف يخفق قلبك عندما تقول لك حبيبتك : (( أُحبك )) ؟!!! هل أَخفقه العبقري أَديسون ؟!!! ولماذا يقولون مجازاً للحبيبة: « حبيبة الروح «؟ يا سيدي النبيل؛ القص غذاء الروح.
هل تشعر أن هنالك أفكاراً لديك، هل ثمة منافذ أخرى فنية غير القصة القصيرة؟
• نعم ؟ أَصبت، وكأنك تناغمني فثمة أفكار وصرخات مكبوتة لا يمكن لكتابة القصة ولا للمسرح ولا للسينما ولا للتشكيل استيعابها، وذلك لأنه يتعذر بي البوح بها إنها: أُمنيات الروح، ومنفذها الوحيد: الذهاب إلى الله ربي فالق الحَبَّ والنوى .
كيف تروّج لقصصك,هل تطلب من النقّاد أن يكتبوا حول تجربتك أم عليك أن تبدع فقط ؟ ما رأيك بالشهرة؟ تتلهف لها أم مشغول بتطوير كتابتك القصصية بصبر؟
• انت بلبل مغرد من بلابل مدينة الناصرية المغردة بحب الناس ؛ وعلي السباعي لا يجيد غير التغريد وبصبر، كل كتاباتك راض عنها؟ هل هنالك قصص ندمت على كتابتها؟
• نعم كل كتاباتي راضٍ عنها، ولست بنادم عن بعضها قط، لأنها خرجت من أعماق الروح بصدق عال ونقاء قل نضيره؛ كأفكار متجانسة مع « الإنسان « الذي هو صيرورتها ونماؤها، لكن هل كتاباتي متكاملة؟ الجواب:- كلا . لأن الكمال لله وحده . وهل أنها متكاملة بقرينة الكتاب الآخرين؟ الجواب: كلا . لأنني من الخطائين، و ((خير الخطائين التوابون)) . الخلاصة كلنا نُكمل بقصنا بعضنا ببعض ، لعلنا نتكامل ، وذلك محال ، والكمال لله .
هل تعتبر محمد خضيّر سيد القصة العراقية كما يذكر غالبية الأدباء في العراق أم هنالك أدباء هم سادة أيضا ؟
• مطر . . مطر . . مطر، ومطر السياب أَينع ( إقحوانة ) :- « محمد خضير « ، فأزهرت وأثمرت للآكلين والشاربين سلوى وشهداً ومملكة سوداء وفي 54 مئوية ورؤيا خريف وتحنيط وحدائق الوجوه وسيرة مدينة بصرياثا وكراسة كانون وأحلام باصورا والرجل والفسيل والحكاية الجديدة والسرد والكتابة . والعراق مهد الحضارات، والعراق زاخر بالمبدعين والأسماء اللامعة التي تجاوزت حدود المحلية إلى العالمية .
متى تطورت القصة القصيرة في ذي قار وهل غدت متكاملة فنياً. ما الأسماء التي لها الريادة ؟
• علي السباعي ، كاتب القصة القصيرة، لا زال هاوياً لهذا الفن الصعب ، وما زلت أسير حثيثاً في خطواتي الأولى في هذا الدرب اللاحب ؛ درب القصة القصيرة . فقل لي بربك يا سيدي الكريم :- كيف لمن يخطو خطواته الأولى أن يقيِّم من أفنوا أعمارهم في السيرِ كتابةً في طريقِ كتابةِ القصةِ القصيرةِ المؤدي إلى مدينة الناصرية ؟ صعب . أترك هذا لأهل الفصاحة والبلاغة وأهل البحث العلمي الرصين وموثقي الأدب لأنني لست منهم ، واعتذر .
هل لنا بأقصوصة ننهي بها الحوار ، أقصوصة تلمع دائما في جسدك ، في العمل, في السوق,وأنت تعبر الجسر نحو فكرة ما طينية.
• قصة بكماء : (( شــابةٌ حلوةٌ بكماء ، تقدم لخطبتِها شــابٌ اخرس، رفضـت الاقترانَ به،مخافة أن يبكي طفلهُما وهما نائمـين )) .