موصليون ينبشون في سجون “داعش”
الصباح الجديد- متابعة:
مكالمة هاتفية أوقدت في داخله بصيص أمل بأن ابنه الوحيد الذي اعتقله “داعش” قبل (18) شهرا، ما يزال على قيد الحياة، لذا يستنفر جهوده للإمساك برأس خيط يوصله إلى الحقيقة.
الاتصال الهاتفي تلقاه خضر حسين (69 عاما) من أحد معارفه الذي قال بنبرة احتفالية: البشارة البشارة.. ابنك طارق على قيد الحياة وهو الآن مسجون عند القوات الاميركية في بغداد”. قاطعه حسين متلهفا: ” بشرك الله بالخير”، واسترسل يسأل عن التفاصيل.
ما ان فهمت زوجته العجوز التي كانت تجلس ملاصقة له فحوى المكالمة حتى ركضت مثل بطة متثاقلة لتزف البشرى لبناتها وزوجة ابنها، وسريعا انتشر الخبر في عموم الحي الشعبي الذي تعاطف كثيرا مع هذه العائلة عندما فقدت ابنها الوحيد. “لقد ذهبنا لنعزيهم ونواسيهم بابنهم، هل يحدث ان نذهب لنبارك لهم بعودته، إذا تحققت ستكون معجزة”، تهامس بعض أبناء الجيران فيما بينهم.
آلاف المفقودين لا أثر لهم
قصة هذا الرجل العجوز لها مثيل عند آلاف الأشخاص ممن يعلقون أيضا آمالا للعثور على أبنائهم أحياءً بعدما غيبهم “داعش” في سجونه، الأنظار الآن مصوبة نحو سجون الحكومة العراقية ومعسكرات القوات الأميركية في العراق، وقد دخلت القضية مرحلة جدية هذه المرة بعد تدخل رئيس البرلمان سليم الجبوري.
عبد الملك الحسيني مدير المكتب الإعلامي للجبوري، قال إن رئيس البرلمان تلقى شكاوى كثيرة بشأن المعتقلين لدى تنظيم “داعش” في الموصل، وبناء على ذلك زار المدينة مطلع كانون الثاني (يناير) الحالي، والتقى المئات من ذوي المفقودين.
خاطبنا رسميا الجهات الحكومية التي لديها سجون ومعتقلات، وهي وزارات الداخلية والدفاع والعدل، فضلا عن هيئة الحشد الشعبي، طالبناها بالبحث عن مصير أكثر من (700) مفقود، تم تسجيل أسمائهم من قبل ذويهم.
“لا يمكن التصريح باي نتيجة الان، ننتظر الرد على مخاطبات رئيس البرلمان، لنتأكد ما اذا كان هؤلاء المفقودون في السجون العراقية ام لا” يختم الحسيني تصريحه.
مرت ستة أشهر على المكالمة التي تلقاها خضر حسين، وما زال يبحث عن أي أثر يوصله لابنه، لكن من دون جدوى، حتى الشخص الذي قيل انه شاهده في سجن بمطار المثنى ببغداد، تبخر مثل السراب، ثم تحجج مصدر “البشارة” ان الأمر سري ولا يستطيع الكشف عن هويته.
توالت أخبار مشابهة عن وجود طارق حيا من مصادر اخرى، بالتزامن وانتشار شائعات عن تحرير القوات العراقية مئات المعتقلين من المستشفى الجمهوري غربي الموصل وكذلك المدينة القديمة.
كل ما تلقاه ما زال هواءً في شبك، اذ لم يصل الى اي شيء يثبت وجود ابنه حيا، وبالرغم من ذلك يتشبث بالأمل، “عندما اعتقلته عناصر داعش منتصف عام 2016 بتهمة التخابر مع القوات العراقية، بلغنا نبأ اعدامه بعد عشرة أيام، لكننا لم نتسلم جثته، وهذا ما جعلنا نصدق انه حي حتى الآن”، يقول العجوز الذي أُحني ظهره.
الخسفة وعلو عنتر
كان اسم طارق قد أدرج في سجلات دائرة الطب العدلي بالموصل، حيث تودع جثث الموتى، فالتنظيم لم يكن يسلم جثامين الضحايا الذين يقتلهم إذا تعلق الأمر بتهم حساسة كالتخابر، ويكتفي بإيداع أسمائهم في الطب العدلي، وأحيانا إرسال قصاصة ورق إلى عائلته.
كان التنظيم يودع الجثث في مقابر جماعية، لعل أبرزها الحفرة الكبيرة التي تسمى (الخفسة) والتي تقع على بعد (20 كلم) جنوب الموصل، وذاع صيتها في بداية سيطرة “داعش” على الموصل في حزيران (يونيو) 2014 اذ أعدم التنظيم أكثر من (200) نزيل في سجن بادوش (20 كلم غرب الموصل) وألقى جثث العشرات منهم في تلك الحفرة التي بلعتهم فورا، ثم ألقى فيها التنظيم مئات الجثث قبل أن يردمها في منتصف عام 2015.
أما أحدث المقابر الجماعية فتم اكتشافها في آب (أغسطس) الماضي في ناحية العياضية (60 كلم غرب الموصل) وهي بئر كبيرة اسمها (علو عنتر) يزيد قطرها عن خمسين متراً.
يقول النائب في البرلمان العراقي عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي، إن “عناصر داعش ألقوا فيها جثث مئات المغدورين الذين اعتقلوا لأسباب مختلفة، ثم فجروا الجزء الشرقي من البئر لطمر الجثث المتراكمة على بعضها”.
ويضيف اللويزي في مؤتمر صحفي داخل البرلمان، أن “ذوي الأشخاص الذين اعتقلهم التنظيم من قبل، يعيشون صراعاً نفسياً لعدم معرفة مصير أبنائهم. وباتوا عرضةً للابتزاز والاستغلال، وفريسة للدعايات، اذ يشاع بأنهم موجودون في مطار المثنى أو في سجون سرية”.
“الضحايا بالآلاف، منتسبو الأجهزة الأمنية، مرشحو الانتخابات، أعضاء المجالس المحلية، موظفو المفوضية، ناشطون مدنيون، محامون، وغيرهم الكثير، لكن لا أثر لهم حتى الآن” يختم النائب حديثه.
لا توجد إحصاءات عن عدد المفقودين حتى الآن، سعد الخزرجي ناشط سياسي تبنى قضية المفقودين، وبعد زيارة رئيس البرلمان إلى الموصل، اعد قائمة تضم (722) مفقودا يعتقد ذووهم أنهم ما زالوا أحياءً ومودعين في سجون القوات العراقية.
* عن موقع نقاش