التحدي الاكبر الذي تواجهه الدول الفتية في الانظمة الديمقراطية يتمثل بقدرتها على مواجهة المشكلات الناجمة عن آليات التطبيق للانظمة والقوانين الجديدة التي يراد لها ان تكون بديلة لقوانين وانظمة الدولة الشمولية وعلى مدى اكثر من خمسة عشر عاما واجه النظام السياسي الجديد في العراق مجموعة من الضغوطات شكلت تحديا واسعا لتثبيت خصائص واسس دولة القانون من بينها التشكيل المشوه للمنظومات السياسية والرسمية التي تدير مؤسسات الدولة وركونها الى المحاصصة الحزبية وتسيد مجموعة من الاعراف والنظم العشائرية التي تحكمت في كثير من الملفات وفرضت حضورها في حلحلة الكثير من القضايا العالقة وبات المواطن العراقي في حيرة من امره وهو يرى اشكالا متعددة تسير الدولة العراقية فهناك من يستعين بحزبه وكتلته السياسية في تشريع قانون او رفض قانون وهناك من يحتمي بعشيرته وقريته وهو يواجه ملفات الفساد التي ادين بها وهناك من يريد التمسك بالقانون في جميع آليات الحلول للقضايا العالقة وبين هذا وذاك تضيع معالم دولة القانون التي ينشدها الجميع وتتشوه تجربة الديمقراطية والتعددية في العراق بسبب هذه الممارسات وتضيع معها الامال والطموحات بتراكم الخبرة لتثبيت اسس الدولة القوية ولربما اسهمت الازمات السياسية وهجمات الارهاب الواسعة في ضعضعة الاطر الصحيحة لبناء الدولة العراقية وعطلت الكثير من المقدرات والخطط التي كانت ترمي لفسح المجال امام منظومة القوانين لتأخذ مسارها المعهود وهنا تكمن الحاجة الى تحقيق الاستقرار والامن في كل المجالات لولادة نظام سياسي صحيح ومعافى لاتخترقه الانتهاكات والممارسات التي تقدم عليها احزاب او مجموعات اجتماعية متنفذة تفرض حضورها بالترهيب وبغياب التطبيق السليم للقانون وفي التفاصيل اليومية للاحداث في العراق مايشير الى هذا التشتت وهذا التعدد الذي اصاب الدولة بالوهن وزعزع الثقة بقدرة الحكومة على فرض القانون فثمة انتهاكات واضحة وملفات فاسدة تقف وراءها احزاب وشخصيات لم يتم معالجتها وحسمها تحت وطأة ضغوط مجموعات وافراد لهم مصالح من ورائها وبين حين وحين اخر يجري اطلاق سراح وتبرئة متهمين ضالعين بالاجرام والسرقة والاحتيال والتزوير لالشيء الا لانهم يرتبطون بعناوين بارزة وشخوص قيادية في اعلى هرم الدولة او لانهم يحتمون بعشائر او كيانات او احزاب يخشاهم العاملون في القضاء وفي احيان اخرى لاتتوفر الفرصة لتحقيق الحماية الكافية لرجال العدالة لكي يقوموا بواجبهم وانزال العقاب بمن تثبت عليهم ارتكاب الجرائم ..ومالم يتم ترصين الدولة وتأصيل آليات القرارات النافذة فيها ستبقى الهشاشة والضعف معالم واضحة فيها وسيبقى العراقيون بعيدين عن دولة القانون المنشودة من قبل المخلصين لهذا الوطن .
د. علي شمخي
ترصين الدولة
التعليقات مغلقة