في حوار مع شيخ المخرجين المسرحيين «سامي عبد الحميد»:
حاوره ـ عبد العليم البناء:
لايذكر المسرح العراقي إلا ويذكر اسم سامي عبد الحميد ، وهو يحمل اليوم صولجان شيخ مخرجي المسرح العراقي، وأعماله مازالت تمثل علامة فارقة في مسيرة المسرح العراقي والعربي، وبرغم أنه قد شارف على التسعين إلا أنه مازال يتحمل بحيوية وتوهج وزر الابداع ، بتمظهراته المختلفة ، مخرجا مسرحيا أصيلا، تجتمع فيه روح الناقد، والمحلل، والمفسر، والمدرب ، والممثل، والمصمم، والمؤرخ، والمتفرج، والممسرح، والمدير، والمنظم، والعميد ، ولهذا بات المرجع الاول وربما الاخير في العملية المسرحية، حيث يرى أن إقدامه على اخراج نص مسرحي، فإنما يمثل رؤية يريد تحقيقها، ولا يتم له ذلك إلا بتنفيذ معظم تلك المهمات التي برزت جلية في أشهر أعماله الإخراجية: ثورة الزنج، ملحمة كلكامش، بيت برناردا، البا، انتيغوني، المفتاح، في انتظار غودو، عطيل في المطبخ، هاملت عربيا، الزنوج، القرد كثيف الشعروغيرها حيث لايتسع المجال لذكرها كافةً.
وبعد أكثر من ستة عقود قضاها في فضاءات المسرح الرحبة ،هاهو يعاود صولاته الإبداعية، متخذا هذه المرة من مسرح الرافدين التابع لدائرة السينما والمسرح، ساحة جديدة عبر مسرحية (أرامل) للكاتب التشيلي الارجنتيني الأصل (أرييل دورفمان)، الصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، وأنجز ترجمتها وكتب مقدمتها المغترب العراقي علي كامل، ويقدم سامي عبد الحميد رؤيته للنص، بما يتطابق مـع اللحظة العراقية الراهنة، فــي عرض مسرحي يمثل تذكيرا مؤثّراً ومحزناً بتلك الانتهاكات الفظيعة، التي غالباً ما تمر في شكل عابر من دون أن يلحظها أحد في هذا العالم ،ومنها مجزرة سبايكر، ويلعب أدوار المسرحية نخبة من الممثلات والممثلين العراقيين ، ويساعده في الإخراج الدكتور كريم خنجر.
وبغية الوقوف على مجريات هذا العرض المسرحي الجديد (أرامل)، كانت لنا هذه الوقفة من الحوار، مع مبدعها الفنان القدير سامي عبد الحميد إعداداً وإخراجاً:
* ما الذي تنطوي عليه فكرة مسرحية (أرامل) المعدة عن نص أجنبي، بالاسم ذاته، وما مدى مقاربتها لأرامل العراق، بأشكالها المتنوعة؟
– في مسرحية (أرامل) للكاتب الارجنتيني (أرييل دورفمان)، إدانة للنظم الكتاتورية وممارستها القهر ضد الشعوب التي تتطلع الى الحرية، وتذكرني أحداث المسرحية بجريمة سبايكر وما حصل للمقاتلين العراقيين من تعذيب، وقتل ورمي الجثث في النهر. وفي إعدادي للنص الأصلي لم أغير في الاحداث ولا في الشخصيات، ولكني حولت الحوار من الفصحى الى اللغة الوسط، لكي تكون قريبة من تفهم الجمهور عموما.والأرامل في هذه المسرحية جميع النساء اللواتي فقدن أزواجهن، أو إخوتهن، أو آباءهن، نتيجة الحروب ،ووحشية الإرهاب ،واعتداءات الأنظمة الغاشمة، التي تقوم بتصفية من يعارضها.
* اذا كان الامر كذلك فما المعالجة الاخراجية والدرامية التي اشتغلت عليها، للخروج بمعادل صوري وفكري وجمالي للنص؟
– حاولت أن التزم بالظروف المعطاة التي طرحها المؤلف، ولذلك ستكون معالجتي الاخراجية طبيعية في جميع عناصر العرض المسرحي، ابتداءاً من المنظر وانتهاءاً بالملحقات (الاكسسوار)، وهنا لابد أن استعمل الفذلكات والتجريدات التي يلجأ اليها البعض من مخرجي مسرحنا.سأستخدم الممثلات في هذه المسرحية كما لو كن جوقة، توحدهن المحنة التي يمررن بها، المهم عندي أن نحقق تعاطف الجمهور مع الأرامل.
* على ذكر الممثلات، ماذا عن خياراتك على صعيد الممثلات والممثلين، في وقت يتطلب فيه العرض جهدا جسديا وفنيا عاليا، فضلا عن الاحترافية المنشودة؟
– يبدو لي أن فرص اختيار الممثلات والممثلين من أعضاء الفرقة الوطنية للتمثيل قليلة، فقد قمت باختيار بعض الممثلات واذا بهن منشغلات في مسرحيات أخرى، وقمت باختيار أخريات واذا بهن يعتذرن لأسباب واهية، ومنها أدوارهن ليست طويلة أو بطولة، ويبدو لي أيضا أن ليس هناك من ضوابط لعمل أعضاء الفرقة.
وكذلك الحال بالنسبة للممثلين فقد أسندت الأدوار الرجالية الى البعض، ولكنهم إما تأخروا عن الالتحاق بالتمارين أو اعتذروا، لأن الأدوار التي نسبت اليهم قصيرة، ولذلك فقد اعتمدت على من شعرت بأنهم ينتمون بصدق للعمل معي، وأنهم لا يفكرون بسفرة الى الخارج أو بمردود مالي كبير، ولذلك سيكون جهدي مضاعفا في التدريب والتوجيه.
* العرض يتطلب سينوغرافيا متكاملة، شكلا ومضمونا، فضلا عن العناصر الفنية والتقنية الأخرى، ماخياراتك هنا لاستكمال جماليات العرض؟
– كما قلت سابقا، سأستعمل المنظر الطبيعي، ساحل نهر في احدى قرى اميركا اللاتينية بمياهه، وصخوره، وترابه، واشجاره، وقد وعدني المصمم بتحقيق ذلك، كما سأعمد الى تحقيق الدقة التأريخية في الافكار والملحقات أو أن أكون قريبا منها، وسأتبع ملاحظات المؤلف في مجال الإضاءة .
* لكل عرض رسالة عامة ورسالة خاصة، فما الرسالة التي تريد ايصالها من خلال هذا العرض؟
– الرسالة العامة التي ابعثها هي إدانة وحشية الأنظمة الشمولية، أما الرسالة الخاصة فهي أن لكل مسرحية معالجتها الاخراجية الخاصة بها، بحسب طبيعتها وأسلوب كتابتها، وتكاد مسرحية (أرامل) تنتمي الى المسرح الطليعي، أو لنقل الى المسرح الواقعي عموما.
* وما الذي تراهن عليه في هذا العرض، وأنت تقارب التسعين من عمركم المديد بإذنه تعالى؟
– لا أراهن على شيء، فقط أريد أن أقدم عرضا مسرحيا يرضي الجمهور المتذوق، ويليق بمستوى المسرح العراقي المتقدم.
*ومتى تتوقع أن يكون العرض جاهزا للتقديم للجمهور، بعد تجربة مرة كنت عشتها مع هذه المسرحية ووزارة الثقافة، ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013؟
– أرجو أن لايخيب أملي في تحقيق أمنيتي في تقديم مسرحية (أرامل)، التي وعدت مترجمها (علي كامل) بأن أنجز إنتاجها، وأن لايحدث لي كما حدث في عام 2013، عندما كانت المسرحية مدرجة ضمن فقرات بغداد عاصمة الثقافة العربية، وفي اللحظة الأخيرة قيل لي أن الغطاء المالي قد انتهى، فتوقفت عن العمل مع أن التمارين استغرقت خمسة شهور، في ذلك الوقت ، وكنت أنوي تقديم العمل على شاطيء نهردجلة المجاور لمنتدى المسرح .