مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
الحلقة 36
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
جاسم محمد*

الجماعات “الجهادية” في ليبيا.
يعود تشكيل الجماعات الأسلامية في ليبيا وشمال افريقيا ـ المغرب العربي، الى بداية التسعينيات، عندما التحق عدد من الليبين للقتال ضمن تنظيم القاعدة في افغانستان، وليحتلوا الخط الاول في قيادة التنظيم. كذلك يمثل الليبيين قوة ومصادر بشرية اكثر من غيرهم في سيناء و سوريا والعراق وافريقيا مالي ونايجيريا. وقد ظهرت قوة تلك المجموعات في إستعراض امكانياتها القتالية للاطاحة بالقذافي بدعم الناتو 2011. ويعتبر عام 2007، نقطة تحول في المجموعات الجهادية في ليبيا، بعد إعلانها البيعة الى تنظيم القاعدة وزعيمها انذاك، بن لادن. ليكون فرع القاعدة في ليبيا، التنظيم الثاني في شمال افريقيا بعد الجماعة “الجهادية” في الجزائر، التي اعلنت مبايعتها للقاعدة في يناير2007. وهنالك معسكرات تدريب الى التنظيمات “الجهادية” في المناطق الصحراوية النائية التي تغيب فيها سيطرة الحكومات وباتت تهدد فرنسا في مالي ودول الناتو. ويعتبر معسكر او قاعدة الوطية الجوية، غرب ليبيا، احد ؤالمعسكرات الرئيسية لتنظيمات وفروع القاعدة في شمال افريقيا، كذلك معسكرات مصراته وبنغازي والجبل الاخضر.

ليبيا بؤرة ارهاب
ويرى الخبير الألماني في قضايا الإرهاب غيدو شتاينبيرغ أن ليبيا يمكن أن تصبح بؤرة جديدة للإرهاب في شمال إفريقيا، كما يحذر شتاينبيرغ من تحول “داعش” إلى شبكة عالمية بسبب تزايد عدد التنظيمات الإرهابية في العالم التي تنضم إليه. كيف أمكن لتنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف إعلاميا بـ”داعش” من التوسع نحو سيناء وليبيا وأي خطورة يشكله نشاطه القوي في ليبيا القريبة من أوروبا.

أنصار الشريعة
بدأت جماعات “جهادية” جديدة في الظهور، بعد القذافي، أبرز هذه الجماعات هي أنصار الشريعة في بنغازي بقيادة محمد زهاوي، التي تتمتع بعلاقات مع السلفية الجهادية في ليبيا والتي تمثل جماعة ظل أنصار الشريعة في درنة بقيادة أبو سفيان بن قومو، احد سجناء معتقل غوانتنامو سابقا. وهي تنظيم دعوي اجتماعي مسلح يهدف لتحكيم “الشريعة الإسلامية” في ليبيا و تأسس في مايو 2012. بعد الأنفصال عن سرايا “راف الله سحاتي “التي شاركت في تأسيسها. ووفقا الى الباحث هارون يزلن ـ معهد واشنطن، فأنه لا يعرف الكثير عن هيكلية ألتنظيم. ويعتبر محمد علي الزهاوي قائدا للتنظيم، وناصر الطرشاني رئيسا للجنة الشرعية. ويتلك التنظيم، جناح عسكري تحت اسم “ألدوريات” تنتشر اكثر في بنغازي.

المرابطون
اعلنت الجماعة “الجهادية” التي كان يقودها مختار بلمختار وحركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا التي سيطرت لفترة على شمال مالي اتحادهما في حركة واحدة تحمل اسم “المرابطون”. وقالت إن “جماعة ‘الملثمون’ أعلنت عن حل نفسها واندماجها مع جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا في تنظيم جديد تحت اسم ‘المرابطون'”.ووقع البيان انذاك مختار بلمختار المكنى خالد ابوالعباس والمعروف بلقبه “بلعور” زعيم “الملثمون” والازوادي احمد ولد عامر المكنى احمد التلمسي زعيم التوحيد والجهاد في غرب افريقيا. وجدد بلمختار بيعته الى تنظيم القاعدة المركزي. لكن رغم ذلك يعتبرالتنظيم الجديد، انشقاقا في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وكشفت الأهرام العربى” عن وجود عدد كبير من قيادات تنظيم القاعدة فى ليبيا، بعضهم أصبح فى مواقع مهمة بالدولة الليبية الجديدة. إن الحكومة الليبية مازالت تعتمد على تلك التنظيمات الأسلاموية “الجهادية” في بسط الأمن، وتتكون غالبية هذه الجماعات من تيارات متباينة يغلب عليها التيار “الجهادي” ويحظون بمناصب متقدمة في الحكومة.

ميليشيا فجر ليبيا
هو تحالف مجموعة ميليشيات في ليبيا تضم ميليشيات درع ليبيا الوسطى، غرفة ثوار ليبيا في طرابلس وميليشيات تنحدر أساساً من مناطق مصراته اضافة لميليشيات من غريان والزاوية وصبراته، بدأت هجوماً في 13 يوليو 2014 بهدف الاستيلاء على مطار طرابلس العالمي وعدد من المعسكرات في المناطق المجاورة له الذي تقوم قوات تابعة للجيش الليبي أغلب منتسبيها من منطقة الزنتان. يصل عدد الليبيين المسجلين في عشرات الميليشيات التي تحضع لسيطرة الدولة شكليا إلى أكثر من 225 ألفا. ويحصل هؤلاء على رواتب من الحكومة لكنهم يتصرفون باستقلالية ويتلقون الأوامر من القادة المحليين أو من الزعماء السياسيين الموالين لهم ويرفضون حملات لتجنيدهم في صفوف قوات الأمن.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن البروفيسور فواز جرجس إن الغرب يريد “رمي الأزمة في ليبيا على غيره، ربما الأمم المتحدة” مشيرا إلى أن جماعة أنصار الشريعة هي التي اغتالت السفير الأميركي ببنغازي في 2012. وأضاف جرجس في مقابلة هاتفية مع “سكاي نيوز عربية” أن “الغرب مستعد للتعامل مع الشيطان لتفادي أي علاقة بالأزمة في ليبيا” لهذا واشنطن ترى الإخوان جزء من المشهد الليبي ومن ثم تصر على إشراكهم في السلطة. مايحصل في واشنطن هو إصرارا على تصعيد الفوضى في ليبيا كبديل للحكومة الشرعية وشرعنة الارهاب في ليبيا.

“الدولة الاسلامية” والبعد الاعلامي
أعلام”الدولة “الإسلامية” والإستقطاب
دعت واشنطن يوم 28 اكتوبر 2014 حلفاءها إلى مواجهة الحرب الإعلامية التي يقوم بها هذا التنظيم المتطرف على الأنترنت خصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي خطوة ممكن وصفها بالمتأخرة جدا، الخطوة الاميركية جائت في اعقاب عقد مؤتمر محاربة “الدولة الاسلامية” في الكويت الذي ركز على محاصرة إلكترونية للتنظيم، يشار بأن سياسات واشنطن في مواجهة “الجهاديين” في المنطقة مازالت تقوم على فهم خاطيء.
اعتمدت التنظيمات “الجهادية” على الخطاب الاعلامي منذ نشأتها، وبعد ان كانت تعتمد على منابر المساجد، اتجهت الى اعتلاء المنابر الاعلامية”الجهادية” على الانترنيت. وكان تنظيم القاعدة اول هذه التنظيمات الذي استثمر”الجهاد” الاعلامي وتسويق خطابه ونشاطاته عبر قناة الجزيرة وال” سي ان ان”. لكن الجهاديون الجدد، الذين ظهروا اكثر في خلافة ابو بكر البغدادي التي تصدرت المواقع “الجهادية” ووسائل التواصل الاجتماعي اكثر في اعقاب السجال الحاد مابين القاعدة و”الدولة الاسلامية” داعش سابقا. يتصدر تنظيم البغدادي تويتر والفيس بوك واستخدام تطبيقات “الهاشتاكك” وغوغل. ومايثير التسائولات اكثر امام هذه التطبيقات والنشاطات جميعها بأنها تدارعلى محركات خوادم اميركية تحديدا وغربية وبمعرفة واطلاع وكالة الامن القومي الاميركي. وقد كشف عنها موظف وكالة ناسا التابعة الى الامن القومي، سنودن بالاضافة الى كشف برامج وكالة الاستخبارات للتجسس ابرزها “بريزم” Prizm ـ عام 2013. وذكر” سنودين بأن وكالة الامن القومي الامريكية ومكتب التحقيقات، FBIلهما ألقدرة للوصول مباشرة الي الخوادم المركزية التسع شركات أمريكية الرئيسية للأنترنت من خلال برنامج سري للغاية Prizm ” بريزم” الذي يستخلص الصوت والتسجيلات المصورة والصور ورسائل البريد الالكتروني والوثائق وسجلات الاتصال .

حداثة الاعلام
كان الظهور الأول للجهاز الإعلامى لهذا التنظيم عام 2012 بصورة واضحة عبرمواقع التواصل الاجتماعي، يشار بأنه قام على انقاض تنظيم التوحيد والجهاد بعد مقتل الزرقاوي عام 2006 وصعدعواد البدري المكنى بالبغدادي “خليفة الدولة الاسلامية” عام 2010.
يعتمد تنظيم “الدولة الاسلامية” كثيرا على الإعلام ويسميه “بالجهاد الاعلامي” في معركته مثل بقية انواع “الجهاد” المتعددة، ويكثّف حملاته الإعلامية التي فاقت تنظيم القاعدة و غيره من التنظيمات “الجهادية” بكفاءة الاعلام وسرعة ايصال الرسائل و نوعية خطابه الاعلامي باستخدام التقنية الحديثة، رغم انه يطلب من مجتمعاته العودة الى الحياة الاسلامية في زمن الاسلام.
إن امتلاك تنظيم “الدولة الاسلامية” الامكانيات المالية بأعتباره واحد من اغنى التنظيمات الجهادية ويمتلك بالاضافة الى خبرات فنية عملت على توسعه افقيا وعموديا وانضمام اعداد من المقاتلين الاجانب له وارتباطاته المشبوهة مع مصادر التمويل والدعم والذي مكنه من الاستفاد واستقطاب مقاتلين جدد وتظليل الراي العام، حتى تحول ذلك الى “سياحة جهادية” تشمل زواج النكاح وسفرات سياحية وغيرها من النشاطات. رغم وحشية وشراسة التنظيم وصرامته، فهو يلبي حاجات مقاتلييه بشرط الامر والطاعة. كان التنظيم يستخدم موقع الفرقان بالاضافة الى شبكة التواصل الاجتماعي، لكن اهتمام الاعلام بنشاطات وتفاصيل هذا التنظيم وسع من انتشاره، خاصة في دول اوروبا والغرب، لكن خلال السنتين الاخيرتين حقق التنظيم قفزة اعلامية من خلال سجاله مع تنظيم القاعدة التي بدئت بخروج تنظيم جبهة النصرة من البغدادي ومبايعة الظواهري، وانتهت باعلان تنظيم القاعدة المركزي في رسالة مطبوعة على موقع القاعدة تعلن براءة القاعدة من البغداديي في فبراير 2014. ويأتي قرار التنظيم المركزي في اعقاب رسالة منظر التيار السلفي الجهادي عصام البرقاوي الشهير بأبو محمد المقدسي من داخل سجنه بالأردن منتصف شهر فبراير 2014 التي تضمنت انتقادات شديدة ومباشرة ل”لدولة الإسلامية”

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة