الانتقاد والتصويب والاعتراض والتحفظ وإبداء الغضب وحتى التظاهر والاحتجاجات، تدخل كلها في مسموحات وفروض العمل السياسي الحر، وتحتسب على السجال المشروع في الدول الديمقراطية أو التي تلتزمها في دساتيرها، وهي (من جهة ثانية اذا ما اُحسن التفاعل معها) تساعد صاحب القرار على تدقيق مواقفه وتنقية حشوات سياساته ومنظوراته من الشوائب والزيادات والالغام، او تصليب تلك المواقف من خلال بنائها على ارضية الاقناع والقبول والنأي عن نزعة الاستخفاف بالرأي الاخر وفرض الامر الواقع، وردع المعارضة.
ولا ينال القائل بهذه المنطلقات براءة اختراع عن قوله هذا، فهي معروفة لتلاميذ المدارس السياسية، لكن السؤال الاكثر الحاحا هو، كيف نميز بين ماهو انتقاد مرخص له وما هو تشهير وتخريب وكيدي ومأجور ومنتج للكراهية والتأليب والتجني والتزييف والتعدي تحت طائلة القانون؟.
واستباقا، فان الفصل، بين تلك وهذه، ليس سهلا كفاية، في ظل ضعف وهشاشة الممارسة الديمقراطية في العراق وجهالة، وضيق، جمهور كبير من المشاركين في الحياة السياسية بلوازم حرية التعبير عن الرأي، وحدودها.
ولعل التذكير مهم هنا بان العبادي اسقط منذ الايام الاولى لولايته جميع الشكاوى الحكومية السابقة لولايته (الانتقادية والتصويبية) التي تنظر بها المحاكم المعنية بالنشر ضد كتاب رأي واعلاميين، ولم يلجأ الى القضاء إلا مرة واحدة في آب 2016 ضد نائبة خرجت على اللياقة ومنصوصات احترام الدولة، فيما احتشدت وسائل الاعلام المختلفة بمناقشات، ذات محمولات متضاربة ولا سابق لها، حول سياسات العبادي وبخاصة ما تعلق ببرنامجه الاصلاحي والحرب على داعش، واتسمت بالحدة والانفعال والاستطرادات الكيفية مما لا سابق، ولا نظير له، في اية دولة من دول المنطقة.
في هذا السياق، من البديهي ان تتنوع المواقف من سياسات العبادي، في جانبيها الانتقادي والتشهيري، لكن الامر المهم يتمثل في أربعة أبعاد خرجت عن منظور حسن الظن: الاول، ما لاحظه محللون ومراقبون ومراسلون بان التعريض «الشخصي» اتخذ طابعا ممنهجا يقوم على التربص والرصد على مدار الساعة لحركة وتصريحات رئيس الوزراء وحتى زياراته الرسمية الى الدول، وذلك من قبل فريق(نواب واعلاميين) موكولة له الحملة عبر اقنية اعلامية مختلفة.
والبعد الثاني، ان الحملة تتجه الى تسفيه وعرقلة القرارات ذات الصلة ببناء ماكنة الدولة واشاعة اليأس بين المواطنين حيال الاجراءات التي تنظم الحياة العامة، وتدمير روح الثقة بسلطة وهيبة الدولة عن طريق اعمال الاختطاف والتعدي على حريات المواطنين وحمل السلاح والتهديد به واستعراض القوة، ما اعطى انطباعا للشارع ان ثمة حكومات اخرى تدير شؤون البلاد غير حكومة العبادي.
ويظهر البعد الثالث في مفارقة سياسية جديرة بالتأمل وهي ان اكثر فصول الحملة شراسة، وغُلّا، وتأليبا، وتحشيدا للإساءات والروايات المُصنعة تنطلق من قطاع سياسي قريب من هوية رئيس الوزراء ومرجعيته الحزبية، الامر الذي شجع ويشجع على الاعتقاد بان ثمة «خلعا» متأخرا لبيعة كانت وراء اختيار العبادي لمنصب رئيس الوزراء.
اما البعد الرابع للحملة فنرصده في التخطيط لإبعاد العبادي عن الموقع هدفا، يتدثر بكساء الحرص على العملية السياسية او السيادة الوطنية او المذهب مرة، ويأتي اصلع من غير كساء مرات، وبين ايدينا لسانيات عديدة تدعو الى ضبط ساعة اسقاط الحكومة على توقيتات ما قبل تشكيلها من قبل العبادي، ولم تكن تلك محض زلات لسان، على اية حال.
********
لقمان الحكيم:
« إياك وكثرة الاعتذار، فإن الكذب كثيراً ما يُخالط المعاذير».
عبدالمنعم الأعسم
الحملة على العبادي.. بين الانتقاد والتحامل (2)
التعليقات مغلقة