طليطلة أصالة الروح ومزيج الحضارة

ترجمة حسين نهابة
كانت طليطلة وما تزال المدينة التي تقدم المجموع المتكامل والمميز لما كانت عليه الأرض والحضارة الإسبانية الأصيلة، وبكلمات أخرى، هي الموجز اللامع والمعبّر لتاريخ اسبانيا.
تعبر طليطلة، على نحو متكامل تقريباً, عن تمازج عنصرين رئيسين للثقافة الوطنية؛ العنصر المسيحي والعنصر العربي, اذ يشكلان معاً اتحاداً يميز اسبانيا ايضاً في الوسط الفني .لا احد من المدن الاخرى لشبه الجزيرة تضاهيها في امتلاك سلسلة لا تنفد من النصب المعمارية التي تجعل منها متحفاً يمكننا ان نستشف منه الملامح الاصيلة للفن الاسباني في كل العصور وكذلك التحف، اذ لم يتراكم في مدينة اخرى، عدد هائل من التحف الفنية للعصور الوسطى ولعصر النهضة مثلما تراكم في طليطلة… افصح شاهد لبيئة الاستلهام الفني الذي لابد انه كان يضوع فيها آنذاك.
من العسير ان نجد مدينة فاتنة مثل طليطلة. فباستثناء موقعها الجغرافي -صلبة تكثر فيها الصخور الغرانيتية التي تحيطها سيول نهر (تاجه)- يتحد فيها مشهد حضارات ما تزال اطلالها ماثلة حتى يومها هذا. اذ تشكل مجموعة لا تحصى من الكنائس والاديرة والمساكن المبنية على الطراز القوطي، وكذلك الازقة الإسلامية المرتفعة والضيقة… لوحة حقيقية تكاد ان تكون حية وعذراء لمدينة كل حجر فيها ينطق بحضارات سابقات. كل هذا في وسط منظر يوجز في داخله اشد الوقائع الجغرافية تميزاً للهضاب القشتالية العالية: السهول وسلسلة الجبال. سهول شاسعة ومُقفرة وقاحلة، يتصارع فيها السهب مع الارض الزراعية الحمراء التي تشكلها روابي شهباء يشقها النهر بهدوء علاوة على سلسلة اثرية بما تحويه من اشجار البلوط الاخضر والزعتر وندى البحر اضافة الى المناحل والمزارع المُثمرة المستلقية على السفوح المشمسة. سلسلة جبال يشقها نهر (التاجه) على حين غرة مشكّلاَ حول طليطلة واحدة من المضايق الهائلة التي تتميز بها شبه الجزيرة.
ولما كانت المدينة مُطوقة بمضيق نهر (تاجه) الذي يفصلها عن الريف، فقد انحسرت منذ زمن سحيق داخل السور الذي مازال يحيطها حتى يومنا هذا.
في عام 1575 وصل الى طليطلة رسام يدعى (دومنيكو) ولُقب فيما بعد بالكريتي. كان قد ابتدأ قبل هذا التاريخ باستعمال اللون والشكل في مدينة روما. هذا الفنان غير الاعتيادي منح المدينة عصارة فكره فأخرج افضل ثماره الفنية. عاش في طليطلة حتى اواخر ايامه في بيئة وحي والهام ونقاء. وبوَحي من طليطلة بكنائسها الهادئة المُنزوية ومساجدها المتخفية في العديد من اديرة المدينة، رسم الفنان افضل اعماله. وبرغم ان بعض هذه اللوحات تتصدر المتاحف الاشهر في العالم، فأن الغالبية العظمى منها ما تزال محفوظة في طليطلة، وحتى في المكان نفسه الذي وضعها فيه الفنان. المدينة باسرها عبارة عن متحف رحب مخصص للكريتي، اضافة الى أثمن نصب مُكرّس لعبقريته الاستثنائية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة