خصوبة الرؤية.. بـ»وشم بالذاكرة»

علوان السلمان

النص الشعري رحلة هادئة لجنة مفقودة يحققها منتج(شاعر) عبر مغامرة تجريبية كاشفة..رائية.. متجاوزة للواقع.. بلغة مشحونة بايحاءاتها الخالقة لصورها المستفزة لذاكرة (المتلقي) والنابشة لخزينه المعرفي للاجابة عن اسئلتها باستنطاق صورها والكشف عما خلف الفاظها الرامزة وتشكلها الجمالي الرافض للتأطير..والموقظ لمكامن الشعور..
وباستحضار المجموعة الشعرية (وشم بالذاكرة)..التي نسجت عوالمها الصورية الجامعة ما بين النص العمودي والنص النثري المفتوح انامل الشاعر وليد حسين واسهمت دار الرافدين في نشرها وانتشارها/2017.. وهي تفرش امام متلقيها عوالم الروح المعبرة عن مكنونات الذات الرومانسي القائم على الاحساس (بوقع الكلمات من حيث شكلها وصداها لا من حيث المعنى)..على حد تعبير سارتر..لانها الوجود الحالم..المستبطن اسرارالذات والذات الجمعي الآخر النفسية..
أترحل عنا؟
فمن ذا يرى
مآق علقن بنزف جرى
تكابر..ترنو
بحنو اشتهاء
ينازع وجدا
لكي يغفرا
بأي انزياح قطعت الطريق
وما فعلوه..
تخطى السرى
وحسب العراق
سليل نماء
تدفق عشقا..
دنا انهرا /ص7 ـ ص11
فالنص على المستوى التخييلي يتجلى بتماهي الشاعر واخلاصه لمبتغاه بتدفق وجداني منبعث من دائرة الوعي الشعري المؤطر بعوالمه الصورية ودلالاته الموحية بتقنيات فنية يأتي في مقدمتها التكرار الاسلوب التوكيدي المزيل للشك والنمط الصوتي والدلالة النفسية التي من خلالها يعلن الشاعرعن مشاعره المكبوتة..فضلا عن الرمز الاستعاري الذي هو اداة فكرية للتعبير عن قيم غامضة لغرض تصعيد التكنيك الشعري..اذ فيه تسمو التجربة الشعرية فتتحول الصورة الى رؤيا تستمد نبضها الدافق من الذاكرة الذاتية والموضوعية بتوليفة تجمع ما بين الواقعي والتخييلي..
يداعب الحزن في أجفان رقدته
ليمتطي الصمت عن أشتات رحلته
مسافر وسط أحلام تحيط به
فما عساه يرى..
من دون مهجته
صوت من الشجن الممتد في رئة
يعلو كموج..
على أنقاض خيبته/ص37
فالشاعر تتجلى صوره في كونها قيمة اجتماعية وارادة وموقف انساني..اضافة الى قيمتها الجمالية الجاذبة..هذا يعني ان النص يكشف عن عاطفة انسانية تختلج في نفسه حتى انه يوظف الجسد للتعبير عن انفعالاته ومواقفه..كونه يجيد العزف على اوتار الجسد روحيا واشاريا ليخلق ايقاعا يستفز الذاكرة الذاتية (الانا) والمستهلك(الموضوع) الذي يستنطق عوالم النص ويكشف عن ابعاده(اجتماعيا ونفسيا..).. وعوالمه المتصارعة التي شكلت ابتداء من الاستهلال زخما من الالفاظ المتناقضة في دلالتها ومعانيها..و المتناسقة في نسجها ووظيفتها..
هزي وشائج قربي وانثري الفرحا
لي غيمة غرست في مائها القمحا
وأيقظي من غدي أحـــــلام ناعسة
كي لايسام لنا جفن رأى الصبــــحا
وبلغي سرب ظـــــــبي كان منتشيا
فلو أقام بلا غـــــــــــــدرانه يمحى
عزيزني لن يطول الوقت ان سهرت
تلك الحكايا وما أبــــــدت لنا النصحا
فالنص بتزاحم صوره الموحية يتوق للتوحد والخروج عن الذات ليذوب في الآخروجودا وفعلا فاعلا ومتفاعلا..
وبذا استدعانا الشاعر لرحلة شعرية متفائلة مكتظة بعوالها الخصبة بالرؤى والاحاسيس ..باسلوب سردي شائق متكيء على التكثيف الجملي المبتعد عن الاستطراد الوصفي لخلق نص حسي..شعوري..مكتنز بالعواطف الانسانية روحيا..والاجواء رومانسية المحركة للحواس الشعورية.. بائتلاف الجمل والتناغم الصوري والايقاعي..الجمالي الذي ياخذ نسقه من عاطفة النص الغارقة في الوجد الذي يسبح الشاعر وسط عوالمه عبر فضاءات منفتحة على آفاق دلالية مشبعة بها الذاكرة الشعرية المنتجة لصورها المتجاوزة بحلميتها لتخلق خطاب يتكيء على فضاء دلالي عبر بنية يغلب عليها الانزياح الذي يكشف عن امتلاء المخيلة بالمعطيات الحسية..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة