العراق يلج 2018 منتصرا..
متابعة ـ الصباح الجديد :
وصل العراق الى عام 2018 وهو اكثر تماسكا مما كان عليه في السنوات الثلاث الأخيرة، فحكومته تبدو أكثر عقلانية وانفتاحا في علاقاتها الداخلية والدولية، وقواه الأمنية والعسكرية حقتت الانتصار في الميدان ، وهزيمة الإرهاب وتثبيت سيطرة الدولة على الأرض، والمخاوف الاقتصادية خفت حدتها قليلا مع برنامج القروض الدولية والتحسن الحاصل في أسعار النفط بعد اتفاق المنتجين على خفض سقف الإنتاج، والمشاعر الشعبية تزداد وطنية وبعدا عن الانتماءات الفرعية، وحركة النزوح الداخلي بدأت تأخذ اتجاها عكسيا بعودة النازحين الى مناطق سكناهم الآمنة.
وبإعلان العراق نهاية تواجد تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) على أراضيه، يودع العراقيون عام 2017 بانتعاشة الانتصار على التنظيم الإرهابي، وبمواجهة تحديات مرحلة ما بعد القضاء عليه في 2018.
في التاسع من كانون أول الجاري، أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، نهاية تنظيم الدولة “داعش” ببلاده، والسيطرة على كامل الأراضي العراقية، ليعطي بذلك شارة انتهاء حرب استغرقت نحو 3 أعوام، لتحرير محافظات صلاح الدين والأنبار ونينوى وبعض المدن والقرى المحيطة بها.
انتصار عسكري يرى محللون أن أصعب جزء منه يكمن في التحديات التي يطرحها على الحكومة والعراقية، والمتمثلة في المحافظة على سيطرتها على المناطق المحررة، ومنع تكرار الخروقات الأمنية في المستقبل.
تحدّ قال المتحدث باسم خلية الإعلام الحربي ووزارة الدفاع العراقيتين، يحيى رسول، إنه يستدعي تفعيل الجهود الاستخباراتية، مشيرا أن “ما نهتم به بعد النصر العسكري على داعش هو تفعيل الجهد الاستخباري، إذ لا يزال أمامنا هذا التحدّي، كما أن هناك خططا وضعت بهذا الشأن”.
وفي ما يتعلق بفاعلية الخطط الأمنية التي تحدث عنها، أضاف رسول، في حديث صحفي، أن تلك الخطط “سترفد بعمليات تفتيش في مواقع مختلفة، بحثا عمّا تبقى من مسلحي التنظيم أو الموالين له”.
ووفق رسول، فإنّ “المهمة الأساسية تكمن في تأمين الحدود السورية، ووضعت خطة محكمة بهذا الشأن تغطي مسافة 667 كم، من منفذ الوليد إلى منفذ ربيعة الحدوديين، كما ستبقى قطعاتنا مستمرة بعمليات تفتيش وملاحقة في عمق الصحراء، لمنع محاولات العبث بالأمن والنظام”.
حدود طويلة ومهمة كبيرة
وعلاوة على ما تقدم، أشار المسؤول العراقي أن عمليات التفتيش الدقيقة التي ستخوضها القطعان الحكومية ستشمل أيضا مناطق تم تحريرها بشكل سريع، مثل الحويجة ومناطق في سامراء ومناطق أخرى.
وبالفعل امسكت القوات الأمنية العراقية بتلك الحدود الطويلة ( 667 ) كيلومتر، خلال فترة وجيزة من هذا التصريح، كما اثمر تفتيشها عن تفكيك وضرب العديد من الخلايا النائمة وتحرير المناطق التي وصف بعضها بالمعقد من تلك الخلايا، على الرغم من ان الخبير العسكري والضابط السابق بالجيش العراقي، صبحي ناظم، كان حذر من وجود مساحات حدودية كبيرة صالحة لاختباء المسلحين ممن تركوا المدن التي كانوا يحتلونها، وهذه البراري تعتبر خطرة، وتتطلب مصاريف هائلة لإجراء استطلاعات جوية مستمرة، سواء باستخدام طائرات جوية اعتيادية أو طائرات بدون طيار”.
بإعلان العبادي انتهاء الحرب على “داعش”، سارعت حركة ما تعرف بـ “لواء أبو الفضل العباس” المنضوية ضمن فصائل الحشد الشعبي، بإعلان حل نفسها، تلتها دعوة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لأتباعه من “سرايا السلام”، بتسليم أسلحتهم إلى الحكومة العراقية.
ملف على أهميته، لا يزال حتى الآن على طاولة الحوارات والمفاوضات بين الأحزاب الشيعية وقادة الحشد، والقائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، والأخير يملك زمام أمر هذه الفصائل، وفق القانون الخاص بها، والذي شرعه البرلمان العراقي قبل أشهر.
غير أن مراقبين يرجحون ضم عدد من فصائل الحشد الشعبي للأجهزة الأمنية، وهذا ما بدا جليا في حديث المتحدث باسم وزارة الدفاع وخلية الإعلام الحربي، يحيى رسول، بقوله: “فيما يتعلق بفصائل الحشد الشعبي، فقد صادق البرلمان على قرار ضم هذه الفصائل إلى المنظومة العسكرية الخاضعة لأوامر القائد العام للقوات المسلحة”.
إستراتيجية “داعش” بالمناطق التي احتلها خلفت دمارا إنسانيا وعمرانيا كبيرين، حتى أن الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي، مهدي العلاق، لم يخف أن إعادة النازحين وإعمار البنى التحتية، يمثلان التحدي الأبرز لمجلس الوزراء.
وقال علاق إنّ “عدد النازحين بلغ، في الفترة الفاصلة بين احتلال داعش العراق وتحريره منها، نحو 5 ملايين و300 ألف نازح، نجحنا بإعادة 50 % منهم حتى الآن”.
وتابع: “أستطيع القول أن 90 % من سكان تكريت، و75 % من الفلوجة، و75 % من الرمادي، عادوا، ولدينا خطة لإعادة 85 % من النازحين في 2018، وذلك عبر توفير الخدمات الأساسية، وهذا يحتاج عملا قد يستغرق ق من 3 إلى 6 أشهر”.
وفي ما يتعلق بعمليات إعادة الإعمار، يعتقد العلاق أن “المشوار طويل، وقد يتطلب الأمر سنوات وأموالا طائلة”.
واعتبر أنّ “استراتيجية داعش كانت تقوم على تدمير البنى التحتية قبل مغادرته، ما يعني أن إعادة الإعمار تحتاج مبالغ كبيرة وسنوات من العمل الدؤوب، وحاليا يجري استكمال المسح الميداني بالمناطق المحررة”.
وقريبا، قال المسؤول إنه سيتم إعلان نتائج المسح، للوقوف على مستوى التأهيل المطلوب.
مؤشرات ايجابية
كما أعلن العلاق أن بلاده تعتزم عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار المناطق المحررة، تستضيفه دولة الكويت في فبراير/ شباط 2018.
في الأثناء، تسعى الحكومة العراقية إلى معالجة تفاصيل إنسانية أخرى، بينها ما يتعلق بالآثار الاجتماعية والنفسية التي خلفها التنظيم في المناطق التي كان قد فرض سطوته عليها.
وبحسب العلاق، فان الحكومة تعمل على وضع خطط كبيرة لتنفيذ ما يعرف بالمصالحة المجتمعية، حيث وضعت برامج في محافظة صلاح الدين وفي مناطق أخرى، إلى جانب خطة لإجراء مصالحات مجتمعية في بعض مناطق الأنبار، كما تستعدّ لإعلان مؤتمر للمصالحة المجتمعية في سهل نينوى
جميع المؤشرات التي ترسلها الحكومة العراقية إيجابية، وعززها موقف مجلس الأمن الدولي بإعلان خروج العراق من البند السابع نهائيا إيجابية، ففي التاسع من الجاري، أعلنت الخارجية العراقية أن مجلس الأمن الدولي صوت بالإجماع على إخراج البلاد من الفصل السابع، في إطار عقوبات أممية فرضت عليها إثر غزو الكويت عام 1990، ومع هذا يواجه العراق تحديات امنية وسياسية واجتماعية حسب المحلل السياسي احمد الأبيض الذي يرى ان ” هنالك حاجة الى مشروع وطني جامع بوسعه تخفيف المخاوف، وتمكن العراق من البدء ببناء مؤسسات الدولة التي تكون راعية لكل أبنائها”.
الأبيض تطرق أيضا إلى تحديات أخرى معقدة للغاية، وتحتاج حلولا ناجعة، وفق رأيه، مثل “أزمة الأكراد والحكومة الاتحادية التي قد تتحول إلى أزمة اجتماعية، ومشكلة التدخلات الخارجية، وخصوصا التأثير الإيراني على الساحة العراقية، والأزمة المالية والفساد”.
وبخصوص “الفساد”، سبق للعبادي، في أكثر من مناسبة الإشارة إلى أن وجهة حربه القادمة ستكون الفساد وإعادة الأموال العامة المسروقة، فقد جدد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بعيد الانتصار على داعش تصريحات سابقة عن حرص الحكومة على القضاء على الفساد في مؤسسات الدولة، غير انه ربط هذه المرة بين الفساد وداعش وبما يعني ان الحرب ضد الفساد لن تقل ضراوة عن الحرب ضد الإرهاب، العبادي قال:” المعركة ضده لن تتوقف و سنكسبها مثلما كسبنا المعركة ضد الإرهاب”.
عدد هائل من المقابر
عناصر ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية – داعش هاجمت العراق مطلع حزيران من سنة 2014 واحتلت في التاسع منه الموصل، ثاني مدن العراق، لتحتل فيما بعد عددا من المحافظات العراقية في سعي منها لتشكيل ما يسمى بخلافة الدولة الإسلامية، ومارست تلك العناصر شتى أنواع البربرية فدمرت مدنا بكاملها، وخلفت من بعدها عشرات الالاف من الضحايا، فقد كشفت مؤسسة الشهداء الحكومية عن وجود أكثر من 125 مقبرة جماعية في العراق لضحايا العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيما القاعدة وداعش منذ عام 2003.
وقال مسؤول دائرة المقابر الجماعية في المؤسسة ضياء كريم في تصريح صحفي إن هناك مواقع تضم أكثر من مقبرة جماعية مثل موقع سبايكر الذي يضم 14 مقبرة، وموقعين في الحويجة يضمان 36 مقبرة جماعية.
المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان العراقية علي البياتي قال أيضا إن عدد المقابر الجماعية منذ سيطرة داعش على مناطق في البلاد بلغ 74 مقبرة، مشيرا إلى أن الرقم قابل للزيادة بسبب عدم تمكن الجهات المعنية من فتح جميع المقابر.
وأوضح أن مقبرة معسكر سبايكر في محافظة صلاح الدين ومقبرة منطقة الخسفة جنوب الموصل تضمان العدد الأكبر من جثث ضحايا الإرهاب والتي قدرها بالآلاف.
النائب عن قضاء سنجار حجي كندور خلف أكد وجود 11 مقبرة جماعية في قرية كوجو وخمس مقابر أخرى في قرية حردان لم يتم الكشف عنها حتى اليوم.