حكاية أغنية يا زارع البزرنكوش

بغداد – الصباح الجديد:
عندما يكتب أحد شعراء القصيدة الغنائية فستكون القصيدة مبنية على أساس حدث حقيقي، او متخيل من قبله، ويمكن ان يكون أساسها جملة طرقت مسامع الشاعر، فوجد فيها حكاية تستحق ان يكتب عنها، ومن ضمن هذه الأغاني هي الاغنية التراثية “يا زارع بزرنكوش” والتي يجهل العديد منا ماهية “البزرنكوش” هذا.
يحكى انه في بدايات القرن العشرين، كان البغداديون من أصحاب الوجاهة، يعقدون مجالس سمرهم في بيوتهم، وكان يحضر تلك المجالس وجوه متعددة من علية القوم من ذوي العلم والفضل والأدب والشعر والسياسة، حيث يتجاذبون أطراف الحديث، وتدور نقاشات حول أمور الساعة، وامور أخرى متنوعة، تستمر الى ساعة متأخرة من الليل.
تتخلل هذه المجالس معزوفات من المقام والبستات البغدادية التي تضفي على هذه الجلسات جوا من المرح والألفة.
في شارع النهر المحاذي لنهر دجلة وفي منطقة رأس القرية، كان هناك بيت بغدادي عتيق، تطل احدى واجهاته على النهر، ومدخله يؤدي الى زقاق ينفذ الى شارع الرشيد. في الموقع المجاور “لـ الاورزدي القديم” وكان ذلك البيت يحتوي على حديقة غناء، مزدانة بأنواع الورود والازهار من جميع الأصناف، وكان صاحب الدار أحد وجهاء بغداد، الذي كان يرتاد مجلسه كل يوم جماعات من عشاق ورواد الادب والفن والشعر، وكان صاحب الدار يقيم الحفلات الغنائية والموسيقية بين الحين والحين الآخر.
في احدى الامسيات، وعندما اجتمع الجلّاس في تلك الدار، حضر أحد الاصدقاء رجع من سفرة قام بها الى إسطنبول، فرحب به صاحب البيت، وابلغه الصديق انه قد احضر معه هدية جميلة، واخرج من جيبه كيسا صغيرا، وبدأ يزرع محتوياته في حديقة الدار، واستغرب صاحب الدار متسائلا عن هذه البذور، فأجابه الصديق انها بذور البزرنكوش، وانه نبات جميل ذو رائحة عطرة، فقال له صاحب الدار: “يا صديقي يا زارع البزرنكوش ازرع لنا حنة لان الشيب قد غزا رؤوسنا”. وصادف ان الفرقة الموسيقية، وقارئ المقام كانوا موجودين، فأعجبهم الكلام وراحوا يغنون بصوت واحد: يا زارع البزرنكوش ازرع لنا حنة. واستمروا في الغناء، وفي كل مرة كانوا يضيفون الى البستة كلاما جديدا الى ان اخذت الأغنية شكلها النهائي. وفي اليوم التالي بدأ الناس يرددونها في المقاهي والشوارع، واصبحت بعد ذلك من أجمل اغاني الفولكلور البغدادي الأصيل. وقام بادائها اكثر من فنان عراقي.
يذكر ان “البزرنكوش” او “المردقوش”، هو نبات عشبي معمر عطري، يعرف بعدة اسماء منها البردقــوش، والمرزكـوش، وهو من فصيلة النعناع، وعندما يجفف ويطحن يصبح مثل نـــبـات الحناء.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة