عبد الغفار العطوي
يمكننا ان نقول ان المعاناة التي تكابدها المرأة في الظهور سببها اللغة التي استطاع الرجل احتكارها لنفسه، تعبر عن وجوده الذكوري في الوقت الذي تسعى فيه المرأة الى تأسيس ( ميثاق انثوي )يحمي وجودها المؤنث من تسلط الثقافة الذكورية، فإن ميثاقاً جسدياً (آخر) يعيد رفع رأسه ليضع الجسد الانثوي بين قوسين أو إيقاعين، فالصراع بينهما في الوجود في الاصل قائم على الجسد و اللغة ، في نجاح الرجل بالاستحواذ على اللغة من جهة مقابلة تطويع المرأة للجسد لضمان بقائها على قيد التواصل، فكانت مناظراتهما في قدرة اللغة ان تستبدل صفة المؤنث بصفة مناوئة لكنها ذات مرجعية ذكورية، و جرأة الجسد على استيعاب الملمح الانثوي من دون المساس بفكرة الانوثة، اللغة تحاول طمس هوية الجسد بحذفه من دائرة الاثر المعجمي و التداولي في الفضاء الثقافي، في حين يدفع الجسد على وفق قانون الجسد بوجوده عبر نظام رمزي معقد مشوش للإيقاع بمكائد الرجل، فنقل ساحة الصراع الى الجسد هو المغزى الذي يهدف اليه الرجل اولا بحيث تصبح اللغة مهيمنة وتفعل افاعيلها به، فهناك فضاء رحب وفسيح يقوم بين الجسدين المذكر والمؤنث، الجسد المذكر هو اللغة والجسد المؤنث هو قيمة ذهنية معلقة في فضاء اللغة كفاح المرأة في الموجة النسوية الثانية التي احتضنتها ما بعد الحداثة اتجهت نحو تخليص المرأة من اللغة التي يهيمن عليها الرجل ، عن طريق طرح ازمة المصطلح النسوي و دور اللغة في تأطيره اولا في المعاجم ،لأنه لا يمكن الوصول اليه إلا بإيجاد لغة غير جنسوية لا تنحاز ضد جنس لصالح جنس آخر، و مادامت القضية قضية نساء فالنساء خير من يدافع عنها ، ولأن المرأة ادركت مبكراً ان اقرب الطرق لمناوأة الرجل هو الجسد ، إبتكرت لغته الرمزية ، و بما إن الإبتكار بحاجة للتنظير انبرت النسوية بإدارة الدفة لتكوين وجهة نظر خاصة بنقد ثقافة الرجل الذكورية ، و التزمت جوليا كرستيفا بأحداث عام 1968 في حركة الطلاب التي تمردت على سلطة الاب السياسي و امتازت جهودها النقدية بانطلاقتها في الستينيات نحو بناء معلم دلالي سيميولوجي متكامل الذي خدم النسوية في تمرداتها على الرجل على مرتكزاته و منها اللغة ، وصارت الدراسات النسوية تهتم ياللغة و اللسانيات محاولة اجتراح لغة غير جنسوية ، تحارب بها الثقافة الذكورية التي عمادها اللغة
1 -من هنا يأتي جهد الباحثة زليخة ابو ريشة في كتابها ( اللغة الغائبة) كي يكشف المبررات الثقافية التي تنطلق منها اللغة العربية في تغييب المرأة في كون هذا الكتاب ان يكون دليلا يقدم تحليلا ما للغة الجنسوية في مسعى نحو أنموذج علمي لتخليص اللغة العربية من صفتها الذكورية الطاغية لتعطي الدليل على ان اللغة هي التي عملت على تغييب المرأة في الواقع عندما غيبت الانثى في ظلال الذكر ، و ان الخطاب العربي المعاصر الذي يحفل بصيغة الذكورة و يتوجه نحو الذكور علنا ( و الإناث ضمنا – في احسن الاحوال )سيلغي اذن من اهتماماته الانثى كوجود لهذا هي تقترح في دراستها لفكر ابن الانباري حيث يتبلور موقف ابن الانباري من اولوية المذكر و انه هو الاصل في التعبير المباشر انسياقاً وراء جملة جوليا كرستيفا اللغة مفتاح التغيير الى ايجاد لغة غير جنسوية !
2 -الكتابة النسائية تعاني من هيمنة اللغة الجنسوية التي لا تفرق بين النمط الذكوري و الانثوي ، و من نافل القول ان جوهر الايديولوجيا الجنسوية و عمودها الاساس هو الفكر الذكوري الذي يحكم إنتاج الثقافة ذكوريا لهذا يصعب على الكتابة النسائية ان تستقل بذاتها و هي تتحرك في فضاء لغة ذكورية تمنع عنها الانعتاق و التحرر، فحرية المرأة في الواقع لا بد ان تكون في حريتها الجندرية التي تتمخض في ايجاد لغة و ثقافة غير جنسوية ، لهذا نرى ان المرأة العربية الكاتبة ماتزال تفكر ذكورياً إذ يتجلى مأزق اللغة الحقيقي في علاقتها الجدلية بالتفكير و محتواه الفكري والشعوري وان المعاناة الخطيرة في الكتابة النسائية العربية هوغياب الشكل و المحتوى غير الجنسوي للمرأة الكاتبة و هو اشكال يخنق التطلعات النسوية العربية و يحد من استقلالية الكتابة النسوية بوصفها مساهمة جادة في تحرر المرأة العربية من أطار الثقافة الذكورية.