سلام مكي
ما ننشده من القانون هو المساواة، لكن مع من؟ مع الأطفال؟ فما جاءت به المادة 41 فقرة 1 من قانون العقوبات: تأديب الزوج زوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد والقصر في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا، فهذه المادة عدت المرأة كائنا ناقصا، مساويا لمن لم يبلغ سن الرشد بعد، وهي يحتاج الى تأديب الزوج حتى تستقيم!! حالها حال الأطفال والأولاد. ما تعنيه هذه المادة بالتأديب هو الضرب، وهذا الحكم مشتق من الحكم الذي جاء به القران الكريم في الآية 34 من سورة النساء قوله تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَ. فالضرب الذي في هذه الآية جاء خوفا من النشوز ، لا للتأديب! ثم ان التأديب ليس بالضرورة ان يكون بطريقة الضرب، إذ ان ثمة الكثير من طرق التأديب غير الضرب. وحتى لو افترضنا أن الضرب للتأديب، فوفق هذه الآية يكون الضرب آخر الحلول بعد الوعظ والهجر. لكن الذي يؤسف له ان انه الخيار الأول والأخير للزوج، ولشتى الأسباب وهو موقن بأنه لا يستعمل سوى حقّه الذي منحه قانون يوظّف الدين لخدمة العرف! مع العلم ان هناك الكثير من المقيدات لهذا الحق، من تجاوزها عد متعسفا في استعمال حقّه ومن يتعسف في استعمال حقه فانه يضمن ما ينشأ عن هذا الاستعمال من ضرر، وبالتالي فان للزوجة ان تقيم دعوى تعويض ضد زوجها الذي تعسف في استعمال حقه في تأديبها. كما ان هناك الطريق الجزائي الذي يمكن للزوجة ان تسلكه في حالة ضربها من قبل زوجها ضربا يتجاوز المسموح به شرعا وقانونا، فقد جاء في المادة 412 ف 1 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 : من اعتدى عمداً على آخر بالجرح أو بالضرب أو بالعنف أو بإعطاء مادة ضارة أو بارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون قاصداً إحداث عاهة مستديمة به يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة ، لكن المشكلة التي قد تبرز هي القصد من إحداث عاهة مستديمة، فالزوج المشكو منه سيدعي حتماً بأنه لم يقصد سوى تأديب زوجته لا إحداث عاهة مستديمة بها.
وبرأيي ان هذا العائق لا يقتصر على حالة ضرب الزوج لزوجته، وإنما يشمل جميع الحالات التي يتم تكييفها وفقاً لهذه المادة. حين يكون التأديب مخالفا للقانون يشكّل جريمة يعاقب عليها القانون، لكن السؤال يبرز هنا: لو تعسّف الزوج باستعمال حقّه بالتأديب، فهل ستشتكي الزوجة أمام القضاء؟ هل يسمح لها المجتمع وقبله أسرتها بالشكوى من زوجها؟ لو وافق أهلها على ان تشكو زوجها للقضاء، فان أقوالها وحدها ليست كافيةً لإدانة الزوج، لأنها تحتاج الى شهود لإثبات واقعة الضرب، فمن أين لها ان تأتي بالشهود وهي تسكن مع زوجها في بيت مستقل؟ وحتى لو كانت ساكنة في بيت زوجها، فهل سيشهد أهل الزوج معها؟
للأسف ان القانون لم يحصن الزوجة من أي تصرف قد يقدم عليه الزوج ضدها، ولم يستثنها من تقديم الأدلة التي قد تعجز عن تقديمها، وبالتالي يضيع حقها.
نأتي على الجانب الشرعي الذي أوجب على الزوج الذي يضرب زوجته ضربا يتجاوز به ما مسموح به شرعاً دفع دية تسمى الارش.
وهنا يبرز سؤال آخر: هل هناك من يلتزم بهذا التشريع؟ ان على رجل الدين التذكير بهذا الحكم الشرعي، كما يذكر الرجال بأن ضرب الزوجة هو حق كفله القرآن، وهو ليس من الحقيقة بشيء.
* كاتب وقانوني يعنى بالقضايا الاجتماعية وعلاقتها بالقانون