مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 31
جاسم محمد*

الفصل الثاني
ثقافة داعش الدموية
داعش : جماعة الخوارج المارقين
وجه أبو قتادة احد منظري الفكر “السلفي الجهادي”، يوم 31 يوليو 2015 رسالة مفتوحة “لأبي بكر البغدادي”، بمناسبة مرور عام على إعلانه “الخلافة ” وقال أبو قتادة للبغدادي في بداية رسالته : “ها أنا أخط رسالتي لك، مع أني لا أسقط بها فتواي بوجوب قتالكم، لوجود الموجب لها فيكم، ولأنكم ما زلتم على طريقكم الذي سار عليه سلفكم من الخوارج المارقين، وأنت تعلم أني ما خالفتكم طمعاً بدنياً ولا منافسة على مغنم، ولا اتباعاً لهوى.”
لم يعد الانترنيت شبكة التواصل الاجتماعي وإنما تحول الى وسيلة لنشر العنف والتطرف، فالعلاقة مابين وسائل التواصل الاجتماعي والجماعات “الجهادية” تحولت إلى حروب رقمية. ان الحرب لم تقتصر على المواجهات العسكرية بل تحولت الى “الجهاد الاعلامي” عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ابرزها تويتر والفيس بوك وكذلك المنتديات وبرامج اتصالات مشفرة يستخدمها الارهابيون منها “اسرار الجهاديين رقم 1 و 2” وهو أول برنامج اسلاموي للتراسل مشفر عبر الشبكات. وهو يمثل أعلى مستوى تقني في التراسل المشفر. وتبقى الصور التي تنشرها التنظيمات على الانترنت لها دورا رئيسيا في كسب مقاتلي جدد الى هذه التنظيمات بالاضافة الى استخدام السمعيات وفديوهات من شأنها تحدث تاثيرا على الجمهور من الشباب.

تفاعل داعش مع الشباب عبر الانترنيت
وتعد العولمة د ابرز السمات التي تميز هذه الجماعات التي لا تتقيد بحدود او جغرافية معينة وربما الحالة السورية تمثل اقصى حالات توظيف “الدعاية” قبل الجماعات المتطرفة. إن تقنية الاعلام “الجهادي” ظهرت بنحو غير تقليدي، فلم يعد الخطاب “الجهادي” قائم على التفاعل ومخاطبة الجمهور باعتماد الكراهية والطائفية والتطرف، بل تحول الى اعلام “معاصر” يقوم على الاستبيان ومعرفة اراء وردود افعال جمهوره خاصة من الشباب، قبل اتخاذ او اقرار بعض القرارات المتعلقة بنحو التنظيم وراياته “الجهادية”. وتحول الى اعلام موجه يحاكي الشباب بلغة غير تقليدية وفيها شيء من التحدي يستقطب الشباب، لذا ظهرت تعليقات داعش على سبيل المثال على تويتر موضع اهتمام لدى الشباب.
ذكرت التحقيقات وكذلك ما يصدر على شبكة الانترنت على لسان منشقين عرب واجانب، بأن الصور التي تبثها التنظيمات “الجهادية” على مواقعها كانت الهام وسبب رئيسي للانضمام الى القتال. “الجهاديون” خير من يوظف لغة الخطاب الديني وان يطرحوا انفسهم مجموعة دفاع عن المسلمين او عن احد مكوناته، ويوظف الخطاب “الجهادي” الايات القرانية والاحاديث لخدمة منهجه والتي ممكن اختصارها تحت عنوان الغسل الأيديولوجي. تقوم ايدلوجية تنظيم داعش من أفكار على طروحات شرعيه ضعيفة عدّت من الخوارج ابرزها، أبو عبد الله المهاجر وأبو بكر ناجي اللذان و أبو مصعب الزرقاوي كتاب “مسائل في فقه الجهاد” للمهاجر، الذي أوصى فيه باتخاذ أقصى درجات الشدة والقتل مع كافة المخالفين المحاربين و”المرتدين”. يرجح المكنى أبو بكر ناجي “أن سبب كل هزائم الأمة وتكالب الأعداء عليها ومظاهر الفساد والابتعاد عن الدين تفاقمت بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية وإنشاء الدول الاستعمارية المحتلة حدود جديدة للدول في حسب اتفاقية “سايكس بيكو”، ويضع الحل الوحيد لهذه المشكلات هو إعادة إقامة “دولة الخلافة” وهو يقصد بعودة سيطرة العثمانيون الجدد ـ تركيا ـ.
اهم مؤسسات داعش الاعلامية هي:
• مؤسسة “الفرقان”.
• مؤسسة “الاعتصام”.
• مؤسسة “الحياة للإعلام”.
• مؤسسة “أجناد”
• مؤسسة “ترجمان الأساورتي”
• مؤسسة “البتار” ومؤسسة “الخلافة”.

مواجهة داعش فكرياً
يقول رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي ضرورة دراسة “فكر” تنظيم داعش الارهابي ولايكفي مقاتلة هذا التنظيم الارهابي بالسلاح، مشيرا الى ضرورة تجفيف منابع الارهاب ومحاربة الفكر و التقنيات التي يستعملها وان “تنظيم داعش الارهابي يستعمل وسائل الاتصال وتقنية المعلومات بحرفية ومهنية عالية ولديه ماكنة اعلامية تحاول ان تؤثر وتستقطب المتطوعين وتؤثر على الاشخاص.” اما الباحث احمد الابيض فيقول ان الحرب على تنظيم داعش جزئها الاساسي مجتمعي واخلاقي وسياسي والجزء الاهم هو الكتروني. واضاف، “على سبيل المثال الاردن وضع استراتجية متكماملة للارهاب الالكتروني دون المساس بالحريات وكذلك الحال في دول الخليج وهناك حديث في كردستان العراق بهذا الاتجاه”. وفي هذا السياق اعتمدت المفوضية الاوروبية في بروكسل ايضا مبدأ مشابها في مواجهة دعاية داعش من خلال نشر تجارب بعض المنشقين او العائدين من سوريا والعراق. تهدف الخطوة هذه الى كشف حجم التناقضات والخداع الذي يقوم عليه داعش.
توظف المواقع “الجهادية” تصوير عملياتها الانتحارية من اجل استقطاب اكثر الى الشباب مما يؤدي الى انضمام اعداد جديدة الى تنظيماتها و نشر صور مروعة ترتكبها السلطة من اجل تحقيق الدعاية “الجهادية”. وهذا مايستدعي مواجهة هذه الجماعات على شبكة الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام الاخرى والتي لا تقل اهمية عن المواجهة العسكرية، مواجهة التنظيم على شبكة الانترنيت يعني حرمان التنظيم واحدة من ابرز مصادر التجنيد والدعاية.

ثقافة داعش الدموية
الاطفال الانتحاريون : ارث تنظيم داعش وللأمد البعيد
يعتمد تنظيم “الدولة الاسلامية” اساليب الغسيل الايدلوجي الفكري الى جانب العامل المادي وبحداثة وتطورفي مخاطبة الاطفال والقاصرين والشباب في اعمار مبكرة، كونهم الفئة الاكثر استهدافا الى تنظيمه. فهو يستهدف تجنيد الانتحاريين بصورة خاصة من بين الاطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10و22 سنة، وهو العمر الذي يتصف بلاندفاع، وعادة ما يجري تحريف تعاليم الدين الإسلامي وعقد ندوات تعبئة دينية يشرح فيها أهمية “الجهاد” والطريق الى الجنة وحور العين وهذا ما اكدته دراسة مترجمة من اعداد الباحثة هناء عليان. وفي تكرار لتجربة القاعدة في افغانستان وسوريا، سعى التنظيم الارهابي الى التركيز على الاطفال، في محاولة لزرع جذوره المتطرفة. وتعطي داعش الشباب والاطفال في اجندتها القتالية والاعلامية، بعد اخضاعهم الى غسيل الدماغ او الترهيب واجبارهم على العمل داخل التنظيم على مستوى العمليات الانتحارية.
يستهدف تنظيم “الدولة الاسلامية” تجنيد الأطفال وهم في سن العاشرة و أن أهالي الأطفال يقفون أمام هذا الأمر بلا حول ولا قوة. يخضع التنظيم أولئك الأطفال إلى دورات خاصة تحت اسم “دورات الأشبال” وذلك للتأثير فيهم وتغيير طريقة تفكيرهم لكي تتقبل القتل والتكفير ومن القضايا التي عرضت أكثر من
مرة على مجموعات من صغار السن في التنظيم بعض حالات الإرهاب النسائي لمعتقلات عرفن بدعم أو تمويل التنظيم ويقوم بعرض تلك القضايا على صغار السن وإقناعهم بضرورة التحرك لنصرتهن وتم تسجيل حالات كثيرة من تجنيد الأطفال الأيتام تحت اسم “طيور الجنة”.
وأكد المتحدث بإسم وزارة حقوق الإنسان أن تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى تواصل تجنيد الأطفال وإستغلال براءتهم لتنفيذ عمليات إنتحارية وبيّن أمين في مقابلة مع إذاعة العراق الحر أن أكثر من 200 طفل وحدث من الجنسين محتجزون في سجن الأحداث بتهمة الإرهاب. وعن وضع الطفل السوري أسيد برهو أكد أمين أن السلطات العراقية تأخذ بنظر الإعتبار أن أسيد طفل إستُغل من قبل داعش وقام بتسليم نفسه طواعية، مشيراً الى أن أسيد يتمتع بصحة جسدية ونفسية جيدة كما بدا ذلك واضحاً في المقابلات التلفزيونية التي ظهر فيها.

بيعة أطفال داعش الى ابو بكر البغدادي
خبراء علم النفس استعرضوا اساليب “دولة داعش” بتجنيد الشباب ومنها تداول بيعة الاطفال الى التنظيم، حيث اظهرت بعض مشاهد الفديو، يقوم اطفال باعطاء البيعة الى التنظيم علنا وهو يردد عبارات لايفقهها لا من الناحية اللغوية ولا من الناحية الفقهية والشرعية. العبارات التي يرددها الاطفال ربما تكون صعبة الحفظ والتفسير والفهم حتى على الكبار. اعطاء البيعة للتنظيم يعني اعلان الاستعداد للتضحية والموت من اجل “الدولة الاسلامية”إن الطريقة التي يتم فيها عرض هذه المواد تتم بطريقة اخرى عكس الصورة الوحشية الدموية للتنظيم، تثير التفائول عند الاطفال. يشار ان التحقيقات ايضا كشفت بان بعض العائلات لا يوجد لديهم خيار غير ارسال اطفالهم الى حلقات تجنيد الاطفال ومعسكراتهم.

استنساخ تجارب الانظمة الشمولية
هذه الطريقة هي استنساخ الى اساليب الانظمة الشمولية في المنطقة تحت عنوان “الفتوة” وكذلك استنساخ الى الانظمة النازية والفاشية التي صعدت على السطح في اوروبا قبل الحرب العالمية الثانية منتصف القرن الماضي. وبحسب علماء النفس ومختصين، فإن تجنيد الانتحاريين، يتم عبر اختيار الشباب وعزلهم لفترات طويلة وتدريبهم على رياضات جسدية عنيفة وتلقينهم أفكاراً متطرفة وتغذية رغبتهم بالموت.
إن تجنيد الاطفال يعكس إستراتيجية التنتظيم للمدى البعيد، في الوقت نفسه الذي يخلق التنظيم منهم، حزام امني لقيادات التنظيم في المستقبل، فأنه يبعث الفكر الارهابي داخل هذه الفئة التي ممكن ان تقوم بنشر معتقداتهم وايدلوجيتهم التكفيرية داخل الاسرة والمجتمع، وهذا يعني ان المجتمع سوف لن يواجه مشكلة التنظيم المسلح على الارض فقط بل يواجه “فكرا”متطرفا مبطن اجتماعيا، تفرز نتائجها الخطيرة للمستقبل البعيد.

قضية الطفل الانتحاري أسيد برهو
كشفت تحقيقات وزارة الداخلية العراقية، أن تنظيم داعش أرسل الطفل “أسيد برهو” من “ولاية” الرقة لتنفيذ عملية انتحارية في العراق ووفقا الى اعترافات أسيد برهو بأنه أمضى مع مجنديه رحلة استغرقت أسابيع، من بلدته منبج شمال حلب إلى الموصل وصولاً إلى بغداد، بعد ان مر بعدد من الملاذات من سوريا عبر الموصل وكركوك والانبارـ الفلوجة ليصل الى ملاذات بغداد ثم يوضع أمام حسينية شيعية في مدينة البياع، غير أنه بدل ان يفجر نفسه مع سماع الاذان سلم نفسه الى حارس الحسينية عند الباب بعد ان سلم مسدسه واخبره بأنه يرتدي حزاما مفخخا يزن 25 كلغم. وفي حديث الى الطفل “أسيد” الى وسائل الاعلام وخلال تطبيق كشف الدلالة بحضور استخبارات الداخلية العراقية اعترف أسيد بانه كان خاضعا للترهيب والضغط من تنظيم داعش من الايام الاولى للالتحاقه ب”دروس تعلم القرآن” ومعسكرات التدريب ولم تكن عنده اي نية لتنفيذ العملية الانتحارية وان كلفته حياته. إن قضية أسيد كشفت الظروف التي يعيش تحتها الاهالي في المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم داعش خاصة في سوريا ، الرقة معقل التنظيم.
وفي حديث خاص الى مجلة المجلة للمتحدث الرسمي للداخلية العراقية العميد، الدكتور سعد معن ذكر قائلا :” إن تنظيم داعش والقاعدة، يركزا على موضوع الاطفال بين سن 13 ـ 17 لعدة اعتبارات، ابرزها سهولة اخضاع الاطفال في هذه الفئة العمرية الى غسيل الدماغ، واعداد كبيرة من هؤلاء الاطفال من فقدوا ذويهم خلال الحرب والدمار ومايزيد الامر تعقيدا، هو عدم وجود مراقبة. ويستهدف تنظيم داعش الاطفال، لانهم يكسبوا تعاطف عامة الناس ولا يثيرون الشكوك خلال تحركاتهم وتنقلاتهم في المجتمع. وان اغلب هؤلاء الاطفال يستخدمهم داعش في مهمات، نقل وزرع العبوات الناسفة، نقاط رصد ومراقبة ونقل المعلومات إضافة الى تنفيذ العمليات الانتحارية. وكان مصطلح طيور الجنة معروفا عند تنظيم القاعدة من قبل ليشير الى الاطفال الانتحاريين، واليوم تعيده داعش”. وأضاف العميد الدكتور سعد معن قائلا:” إن توظيف الاطفال عند داعش يأتي ضمن سياسة مليء الفجوات ويتعرض الاطفال داخل المعسكرات الى الاعتداءات الجنسية والمساومة والتمثيل بعوائلهم في حالة الهروب او مغادرة المعسكر لسد ابواب العودة امام الاطفال وهذا واحدة من استمرار الاطفال بالمعسكر برغم رفضهم تلك الممارسات وتعد حالة الطفل أسيد برهو واحدة من هذه الحالات”.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة