قضية القدس وبريكست والهجرة على جدول أعمال قمّة الاتحاد الأوروبي في بروكسل

بون ـ جاسم محمد

تسعى دول الأتحاد الأوروبي، الى الحفاظ على تماسك هذا الأتحاد من خلال عقد اجتماعات لوزراء الخارجية والداخلية والعدل على مدار السنة، لكن تبقى قمة الأتحاد الأوروبي، ربما موضع اهتمام دولي، بأعتبارها هي من تضع المسارات الرئيسية الى هذا الأتحاد وخططه للعام المقبل.
ناقش القادة الأوروبيون امس 15 ديسمبر 2017 في بروكسل، القرار الأمريكي الخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل إلى جانب ملفي الهجرة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويواجه قرار ترامب بنقل السفارة الاميركية الى مدينة القدس انتقادات ورفض شديد من قبل دول الاتحادي الاوروبي والتي تعتبره تقويضاً لحل الدولتين في ازمة الشرق الأوسط.
اهم المسائل التي تناقشها القمة :
ـ القدس عاصمة لكلا الدولتين
أعلن قادة الاتحاد الأوروبي في اليوم الاول 15، ديسمبر 2017 من انعقاد القمة عن التزامهم بحل الدولتين كالطريق الوحيد للسلام وبموقفهم من القدس عاصمة لكلا الدولتين ضمن حدود 1967. و أكد زعماء دول الاتحاد الأوروبي أن موقف الاتحاد من وضع القدس يبقى ثابتا . وكتب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك على تويتر خلال قمة أوروبية في بروكسل أن «قادة الاتحاد الأوروبي يكررون التزامهم الراسخ بحل الدولتين إسرائيلية وفلسطينية. وتلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو رفضا شديدا من موغيريني في بروكسل الاثنين حين اقترح أن تحذو أوروبا حذو واشنطن بشأن القدس.

خروج بريطانيا
من الاتحاد الأوروبي
ناقشت هذه القمة المفاوضات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتجدد الزخم للاتحاد الأوروبي لتحديد مستقبله بعد خروج بريطانيا في مواجهة المسرح الدولي المتزايد في التغيير. وكان الاتحاد الأوروبي قد ربط بين قرار المضي في مناقشة العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا و تحقيق تقدم في ثلاث قضايا هى : التسوية المالية وحقوق المواطنين والحدود الإيرلندية.
ويتعين على البرلمان الأوروبي التصديق على أي اتفاق يتم التوصل إليه بشأن خروج بريطانيا اي المقترح الذي وافق عليه قبل يوم من انعقاد القمة، بتأييد 556 صوتا ومعارضة 62 صوتا، والذي تعتبره مقترح غير ملزم. وقال مفاوض الاتحاد الأوروبي في محادثات الانفصال «ميشيل بارنييه» للنواب إن المرحلة المقبلة من المحادثات ستركز على فترة انتقالية “قصيرة ومحددة” وعلى مناقشات مبدئية عن العلاقة المستقبلية بين الطرفين. ويعتبر الاتفاق “إعلان نوايا” وليس خطوة ملزمة قانونيا. لكن ديفيز قال بعدها إنه يرغب في تحويل الاتفاق سريعا إلى نص قانوني.

ازمة توزيع اللاجئين
داخل الاتحاد الأوروبي
تثير مسألة توزيع اللاجئين على دول الاتحاد الاوروبي خلافات داخل البيت الأوروبي وايجاد سبل لأصلاح نظام اللجوء الأوروبي. وفيما رأى رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك أن إعادة التوزيع الالزامية غير فعالة، رفضت ألمانيا هذه التصريحات معلنة تمسكها بنظام الحصص والذي تم الاتفاق عليه خلال عام 2015 في اعقاب موجات الهجرة غير الشرعية واللاجئين، وذلك قبل وقت قصير من انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي.
الاتفاق يلزم قانونيا الدول الاعضاء بنقل طالبي لجوء من دول أمامية مثل اليونان وإيطاليا، إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي بموجب نظام الحصص، لكن المجر وبولندا وجمهورية التشيك رفضت استقبال أي عدد. وشن المفوض الأوروبي للهجرة «ديمتريس افراموبولوس» هجوما لاذعا على توسك وقال إن الورقة التي اعدها الرئيس توسك بالتخلي عن نظام توزيع اللأجئين توسك غير مقبولة، وهي لا تخدم مصلحة أوروبا.
وتلقت المجر وسلوفاكيا صفعة قوية من المدعي العام في محكمة العدل الأوروبية التي تتخذ من لوكسمبورغ مقرا لها، الذي شدد في توصيته المقدمة يوم 12 ديسمبر 2017، اي قبل يومين فقط من انعقاد القمة، على قانونية الحصص الإلزامية لتوزيع اللاجئين على دول الاتحاد، وهو ما كانت ترفضه الدولتان. وكانت كرواتيا والنمسا وسلوفينيا قد تقدمت بالدعوة إلى المحكمة الأوروبية الى جانب الجدل التي اثارته كل من المجر وسلوفاكيا بأن الاتحاد الأوروبي قد خرق قواعده التشريعية عندما صوتت غالبية الدول الأعضاء بشأن قرار ملزم في سبتمبر 2015 لتحديد حصص لإعادة توزيع ما يصل إلى 120 ألف لاجئ في إيطاليا واليونان عبر دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
وأعلنت فيديريكا موغريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في اعقاب هذا الجدل حول توزيع حصص اللاجئين، عن خطة لترحيل 15 ألف مهاجر أفريقي من الأراضي الليبية في غضون شهرين. ويأتي هذا التحرك في ظل تقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان ترتكب بحقهم في ليبيا.
الالتزام الاوروبي جاء في اعقاب قمة ابيدجان عاصمة ساحل العاج في 29 نوفمبر 2017 من اجل اعادة المهاجرين الموقوفين في مراكز اعتقال في ليبيا. وكانت خطة ابيدجان تنص على إعادة توطين المهاجرين الافارقة من ليبيا، وتسريع اعادة توطين المهاجرين الى دولة ثالثة.

العقوبات الاقتصادية
المفروضة على روسيا
اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل، عشية انعقاد قمة الاتحاد في بروكسل، على إبقاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا لمدة ستة أشهر أخرى، حتى منتصف عام 2018؛ بسبب ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية ودعم موسكو لمتمردين في شرق أوكرانيا. وتطال هذه العقوبات مصارف ومؤسسات في مجال الدفاع وشركات نفطية روسية وتحظر على الأوروبيين القيام باستثمارات مالية في روسيا.
النتائج
تعتبرالعقوبات الاقتصادية، ضد روسيا، احدى القضايا التي تحضى باهتمام دول الاتحاد، بسبب تضرر بعض الدول اقتصاديا منها، ابرزها المانيا، يذكر بأن اصوات سياسية يتزعمها الحزب الاشتراكي ووزير خارجية المانيا غابرئيل، تطالب بعدم التحمس بفرض هذه العقوبات وعدم الانجرار وراء سياسة ترامب و ضد تصعيد ميزانية التسلح، ومطالبته بتخفيف العقوبات الاقتصادية ضد موسكو، وهذا يعني ان العقوبات الأقتصادية ضد موسكو ربما تشهد تخفيفا مستقبلا.
تعتبر اجتماعات قمة دول الاتحاد الأوروبي، ارفع المستويات داخل الاتحاد، حيث تكون النتائج التي يخرج بها زعماء الاتحاد، توصيات ومسارات عمل الى الاتحاد الاوروبي والى المفوضية الأوروبية. وهذا يعني ان فرنسا والمانيا ستكونا لهما ثاثيرا على سياسات دول الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد خروج بريطانيا. وتبقى فرنسا والمانيا تلعبان الدور الاساسي في استمرار قوة هذا الأتحاد ودعمه، والذي اصبح ركيزة اساسية في العلاقات الالمانية الفرنسية، ظهرت معالمها من خلال الاجتماعات والمنتديات الدولية.
الشراكة الالمانية الفرنسية تفرض بنفسها، على رفض اي سياسة تتعارض مع الموقف الفرنسي الألماني داخل الاتحاد. وهذا يعني ان ما قدمه توسك رئيس المفوضية الأوروبية،سوف لايجد له صدى داخل الاتحاد، وتحديد مايتعلق في ازمة توزيع( 140 )الف لاجيء داخل دول الاتحاد.

دور الكتلة الشرقية داخل الاتحاد
أما الحديث عن الدول المعارضة داخل الاتحاد من الكتلة الشرقية والتي وصفت تحت تسمية «فيسغرارد» فيبقى دورها مشاكسا داخل هذا الاتحاد، فهي لا تقوى على الخروج، كونها تحصل على المساعدات المالية من دول غرب اوروبا وخاصة المانيا، الى جانب دورها الدفاعي داخل الناتو وكذلك داخل مشروع» الدفاع الاوروبي المشترك» في مواجهة التمدد الروسي في الجبهة الشرقة من اوروبا. الدرس التي عطته دول الاتحاد الى بريطانيا، يجعل هذه الدول ان تحسب حساباتها للخروج من الاتحاد.
وهذا يعني ان الاتحاد الأوروبي سوف يبقى منقسما على نفسه، وهذا ما ادركته زعامة الاتحاد والشراكة الالمانية الفرنسية، حتى وصلت الى مفهوم تخلي دول الاتحاد الاوروبي من النهوض بمستوى واحد الى جميع الدول الاعضاء، والسير قدما.

قضية اللجوء والهجرة
القضية الجوهرية التي يواجهها الأتحاد هي قضية اللجوء والهجرة، لذا فان الدول الاعضاء في هذا الاجتماع ركزت على موضوع الأصلاح الدائم لنظام اللجوء في أوروبا والذي مازال لحد الان غير موحدا. وبالطبع فأن قضية اللجوء هذه والهجرة غير الشرعية، ترتبط بقضية رئيسية من وجهة الاتحاد وهي مسك الحدود الخارجية. وهذا يعني ان دول الاتحاد سوف تشدد سياستها في موضوع مراقبة الحدود من خلال وكالة فرونتيكس ومن خلال القوة الجديدة التي شكلها اليوروبول لمسك الحدود الخارجية والداخلية وبالتعاون مع منظمة الامن الاوروبية و الانتربول الاوروبي.
مسك الحدود ياتي ضمن مساعي المفوضية الاوروبية بايقاف تدفق المهاجرين وتسرب عناصر الجماعات المتطرفة، وهذا ما تدعمه دول «فيسغراد» الذي دفعها لتقديم الدعم المالي لتعزيز اي مشروع اوروبي لمسك الحدود، وربما رد فعل «فيسغراد» يعتبر سابقة داخل هذا الاتحاد الهش والمنقسم على نفسه.

قضية القدس
القمة الأوروبية اكدت بان موقفها راسخ وثابت من قرار ترامب بنقل السفارة الاميركية الى مدينة القدس، وانها مازالت تعمل على «حل الدولتين» لنزع فتيل الحرب والفوضى في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يعني ان دول الاتحاد الأوروبي سوف تشهد جهودا من خلال الامم المتحدة ومجلس الامن واجتماعاتها، لدعم موقفها.
اما علاقات الاتحاد مع واشنطن، فمن المتوقع ان تشهد تدهورا اكثر، وممكن وصف حال العلاقات الاميركية الاوروبية مع واشنطن اصلا هي في موضع حرج. يبقى الاتحاد امام معضلة وهي علاقته مع حكومة تل ابيب، هي الاخرى شهدت تصدعا، لكن رغم ذلك السجل التاريخي والماضوي الى العلاقات الأوروبية مع اسرائيل، كانت بالداعمة، وهذا يعني بانه غير متوقع ان يشهد الموقف الأوروبي تطورا غير موقفه التقليدي مع حكومة تل ابيب، لكنه سيركز على حدود الدولتين لعام 1967.
ربما قضية مسك الحدود الخارجية وتأمين حدود الاتحاد هي القضية الاكثر اجماعا عليها داخل هذا الاتحاد دون معارضة، كون ان دول الاتحاد الأوروبي بدئت تتجه الى غلق الحدود ورفض المهاجرين، وهذا مايمكن اعتباره تخلي علني عن المباديء التي قام عليها الاتحاد في مفهوم اللجوء والديمقراطية وحقوق الانسان. اما قضية اللجوء وتوزيع اللاجئين فستبقى موضوع جدل وتشهد انقسامات حادة ما بين مجموعة «فيسغراد» وبقية دول الاتحاد الاوروبي.
ان المشاكل التي يواجهها الأتحاد الأوروبي اليوم، ربما هي اوسع من قدراته، وان القضايا المطروحة على جدول الأعمال، سوف لا تأتي بنتائج جديدة، ولايمكن لهذا الاتحاد وضع حد الى مشاكله، وهذا مايجعل اجتماع الأتحاد الأوروبي، اجتماع بروتكولي او تظاهرة لتعزيز قوة الاتحاد.

* باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة