اللحظة المستفزة للذاكرة في (النصوص فاكهة السواد)

علوان السلمان

الحركة الشعرية عرفت انعطافاً تاريخياً وشهدت تحولات فنية وفكرية تتوافق والانتقالات الحضارية، كان آخرها القصيدة الشعرية القصيرة(الومضة الشعرية..)التي هي شكل من اشكال الحداثة الشعرية التي تتناسب ومقتضيات العصر الذي وسم بـ (عصر السرعة)..والتي تميزت بزخم التكثيف الدلالي والاسلوبي والفني..لجأ اليها الشاعر مسايرة للعصر ولتحقيق تأثير فاعل في فكر مستهلكه..فضلا عن تحقيق الاضاءة السريعة للحظة المستفزة للذاكرة بما تحمله من معنى ايحائي وخيال يهدف الى تحقيق ذات الشاعر في تشكيل موضوعي قائم بذاته..
و(النصوص فاكهة السواد) المجموعة الشعرية التي نسجتها انامل مبدعها رعد كريم عزيز واسهمت الدار المصرية اللبنانية في نشرها وانتشارها وهي نتاج مسابقة ديوان للشعر/الدورة الاولى/2005 ..لاعتمادها صياغات شعرية مكتنزة الدلالات فيها(الشكل والمحتوى مندمجان في عملية الخلق الادبي) على حد تعبير هربرت ريد لتشكيل بناء شعري متجاوز (يخفي كل شيء ويقول كل شيء في الوقت نفسه..)..
بعيداً عن القناعة
او عدمها
كنت وفي كل حرب قادمة
احزم امتعتي
مقدماً الشكر
للحرب الماضية
لانني…
بقيت حيا.. /ص6
فالنص يعتمد ملامحَ سردية عبر التصعيد الدرامي والحبكة المفعمة بالشعرية..فيشكل عالما مكتملا يتمثل في نسق جمالي ووحدة موضوعية متداخلة في الفعل الشعري والاستدلالي والانفعالي الشعوري..مع استنطاق اللحظة الشعورية عبر نسق لغوي قادر على توليد حقول تسهم في اتساع الفضاء الدلالي للجملة الشعرية المتكئة على رصد دقائق الاشياء ونسجها بلغة تواصلية تحتفي باليومي وتعتمد المفارقة بين ماهو خيالي وواقعي بدفقات شعرية على اساس الفكرة المنفردة التي تشكل بنية النص وهي تتسم بالتكثيف والاختزال مع اقتصاد في اللغة ونهاية مكتنزة بضربتها الادهاشية المفاجئة التي تحرك الخزانة الفكرية للمستهلك(المتلقي)..
شمس البارحة ـ والتي عرفتها صدفة ـ
خاصمتني
وشمس اليوم ـ ولكوني اعيش ـ
فاجأتني
وشمس الغد ـ ولكوني لم اثق بها كثيراً ـ
أبطأت فما
دفأتني /ص15
فالنص يحمل زخماً تكثيفياً ايحائياً ليحقق السمة الانفجارية في التأمل والدلالة للتعبيرعن لحظة انفعالية متجاوزة للخطابية صوب الايماء باعتماد الانزياح والتكثيف والايجاز مع استنطاق الرموز وجوهرها..اذ اتكاء الشاعر على حقول دلالية(الزمن/الثنائيات الضدية..)..كي يقدم خطاباً اتصالياً يثير انفعالات المستهلك ويحرك ذاكرته..فضلا عن انه يتجاوز الاقيسة والقوالب الجاهزة واعتماد الرؤية القائمة على ما للمفردة من دلالة للتركيز على جمالية السياق النصي فيقدم خطاباً شعرياً وظيفته الانفعالية الاسهام في تنامي الفكرة تنامياً درامياً حتى اللحظة الادهاشية..اضافة الى ذلك فالشاعر يؤنسن الطبيعة ويوظفها نفسياً وفكرياً وفنياً لتحقيق موقف يتسم بالوعي العميق والرؤية النافذة..لذا فهو يؤلف بين التجربة الذاتية(الانا)والموضوعية(الذات الجمعي الاخر) لإدراك جماليات الصورة(الكيان العضوي المتوالد بالحدس النافذ الى روح الاشياء..)..اضافة الى انه يوظف تقانة التكرار لازالة الشك والتوكيد مع اضفاء نبرة موسيقية معانقة لانسيابية النص..
اتكيء على جدار الاحد
خوفاً من السبت المجهول
واحايد الاثنين..
متهماً الاربعاء
بفاجعة الثلاثاء
خارجاً يوم الجمعة
متوجاً
برماد الخميس المشتعل /ص8
فالنص يتجسد فيه الاحساس بالزمن بجميع تحولاته ..اضافة الى انه يشكل شكلا من اشكال الانزياح بتركيبته الاسلوبية القائمة على اللغة وتوليداتها لتحقيق الفكرة الشعرية على وفق رؤية المنتج(الشاعر)ورؤياه لخلق الصورة التي تسير بمستويين متداخلين:اولهما دلالي وثانيهما اجرائي والتي تؤكد الهواجس الداخلية وحركة الزمن عبر الايام ونزفها الذي منح النص حركة ونموا عضويا مع احتفاظ بالوحدة الموضوعية..
برغم ان الذاكرة
المتطايرة
وجدت نفسها في موسيقى غائبة
بقيت الكمانات الارضية
تندبها بأوتار مقطعة
فالشاعر يحاول الامساك بالنسق الحكائي والتوتر الدرامي والحدث الحافل بالشحنات المنفعلة بتشكيل جمالي ودفقات شعرية مكثفة..كي يرتقي باللغة الشعرية في مستواها الدلالي كي يقبض على جوهر النص ويحقق المتعة الفنية والمنفعة عبر درامية تتكئ على ايقاع مكتنز بالتشكيل الفني..لذا فهو يحاول الاشتغال على بث شعرية اللفظة واستنطاق كينونتها عبر علاقات الدال والمدلول لتفعيل الاثر الحسي والذهني بلغة مفتوحة على التأويل..
وبذلك قدم الشاعر نصوصا محافظة على آليات كتابة النص الشعري القصير بالتقاط اللحظة وتسجيلها بلغة رمزية مع تكثيف واختزال للأحداث..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة