ازدادت بنحو ملحوظ بعد عام 2003
متابعة الصباح الجديد:
سقط محمد علي (12 عاماً) أرضاً أكثر من مرة متألماً تحت حمل مواد البناء حيث يعمل لتحصيل قوت عائلته.
ترك محمد علي المدرسة قبل أيام قليلة من بدء العام الدراسي الجديد في العراق، إذ بدأ العمل لتحسين دخل عائلته بعد أن قضى والده بانفجار في العاصمة بغداد قبل عدة أشهر.
الطالب في الصف السادس بات مطالبا بإعالة أسرته الصغيرة، اللغم الذي اغتال والده اغتال كذلك أحلام الصغير في إتمام تعليمه. يتحدث محمد والعرق يتساقط من جبينه عن التعب الذي سرق منه ملامح الطفولة، وبشرته الناعمة وكيف يخرج من بيته قبل أن تصحو الشمس ويعود بعدما تستقر في بياتها.
يقول “لا أستطيع أن أرى عائلتي تعاني دون البحث عن أي عمل حيث كان عليّ أن أوفر الطعام لإخوتي ووالدتي التي تعتني بهم ولن أسمح أبداً أن تخرج هي للبحث عن عمل وأنا موجود”.
ولأنه الأخ الأكبر بين ثلاثة أبناء صار يقضي (12) ساعة في حمل الأحجار والرمل مكتفياً بوجبة واحدة لا يتعدى ثمنها ألفي دينار، ليعود إلى أمه في بداية الليل يسلمها كامل أجره وهو (15) ألف دينار ويطمئن على “صغاره” قبل أن يأوي إلى جوارهم محتلاً نصيبه من الفراش.
ظاهرة عمالة الأطفال في العراق ازدادت بشكل ملحوظ بعد عام 2003، وزارة التخطيط العراقية تقول إن واحداً من بين كل خمسة أطفال يعمل دون السن القانوني لإعالة نفسه وأسرته، وبحسب الوزارة أيضاً فان أعمار هؤلاء الأطفال الذين يزجون في سوق العمل مبكراً ليزاحموا البالغين، تتراوح أعمارهم ما بين (5 – 14) سنة.
قصة محمد ليست الوحيدة لصغار عملوا ليعيلوا أسرهم، اذ اعتاد حيدر على حمل مطرقة تعادل نصف وزنه يهوي بها فوق قطعة من الحديد، تبدو وكأنها تحولت بفعل النار إلى قطعة حلوى، يشكلها بمطرقته وساعده كيف يشاء.
حيدر طفل آخر لم يتجاوز عشرة اعوام اكتسب الكثير من صفات الفولاذ والنار لكثرة ما اختلطا سويا، ويقول “رؤية أصدقائي يذهبون الى المدرسة تؤلمني ولكن ما باليد حيلة”.
ويضيف حيدر وهو يخفي على استحياء حرقا أصاب يده عندما التحق بالعمل في ورشة للحدادة في قلب بغداد منذ تسعة أشهر ينظر إلى كفه ببقايا براءة لم يفقدها بعد، أن “المسؤول عن الورشة قال لي حينها إن أثر الحرق سيزول قريبا ومنحني عشرة آلاف دينار لكنها لم تكن كافية لشراء علاج الحروق”.
ويتابع “أتمنى لو أستطيع العمل لساعات إضافية للحصول على اجر يعادل أجر والدي وأوفر له تكاليف الدواء الذي يحتاجه ليتعافى وأعود أنا الى المدرسة مرة أخرى”.
سامر (8 أعوام) قصة أخرى لطفل يعمل، إذ لم ير الطفل الذي فقد والده بانفجار سيارة مفخخة قبل ثلاث سنوات مقاعد الدراسة قط ولم يجلس عليها في يوم من الأيام، وذلك لتفرغه للعمل في ورشة خاصة بـ”النجارة”، مع أخيه الأكبر لكي يؤمن قوت عائلته.
الطفل الذي حمل عائلته على كتفيه منذ صباه، يتقاضى مبلغاً قدره (300) ألف دينار شهرياً، وبعد شهر كامل من العمل يدفعها بكل سهولة الى صاحب الدار الذي يسكن فيه برفقة والدته المريضة وأخواته الثلاثة.
وزارة التخطيط العراقية ذكرت على لسان المتحدث باسمها إن “اسباب ازدياد نسبة عمالة الأطفال في البلاد يعود إلى الظروف الاقتصادية السيئة التي تعاني منها الأسر الفقيرة والتي بلغت نسبتها حوالي 22.5% من مجمل سكان العراق”.
المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، يضيف قائلاً إن “نسبة الأطفال الذين يعملون في مهن خطرة بلغت في عام 2017 حوالي 12%، إذ أن الوزارة وضعت خططاً لعام 2018 ولغاية 2022 للحد من الفقر والقضاء على هذه الظاهرة”.
وبحسب الطبيب النفسي أحمد الرديني، يتأثر التطور المعرفي للطفل الذي يترك المدرسة ويتوجه للعمل، فقدراته وتطوره العلمي يتأثران ويؤديان إلى انخفاض في قدراته على القراءة والكتابة والحساب، إضافة إلى أن إبداعه يقل بالطبع، كما يقل التطور العاطفي.
الرديني أكد وجود نوع آخر من أرباب العمل، الذين يستفيدون من عمالة الأطفال، لتسهل عملية استعبادهم في العمل، مردفاً بالقول إن “هذه الأعمال كافة ترهق وتثقل كاهل الطفل الهزيل، ما تنذر بحصول شيخوخة مبكرة لهم”.
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وهي المؤسسة المعنية أكثر من غيرها بتنظيم العمل بأطر وقوانين أكدت رصدها انتهاكات ضد عمالة الأطفال دون السن القانوني المسموح به وهو (15) سنة.
ويقول المتحدث باسم الوزارة عمار منعم إن “هيئة رعاية الطفولة شكلت فريقا للحد من الظاهرة”، مشيراً إلى أن “من بين الإجراءات تحديد المناطق التي تتركز فيها عمالة الاطفال لانتشالهم من هذا الواقع”.
وفي السياق ذاته يقول مسؤول شعبة مكافحة عمالة الأطفال في الوزارة طه محمود، إن “الشعبة تمتلك رؤيا واضحة وفق قانون العمل رقم (37) لسنة 2015 اذ يحتم علينا رصد ومراقبة عمالة الأطفال”.
ولفت إلى أن “الإجراءات المتبعة في حال وجود مخالفة تبدأ بتوجيه الإنذار لصاحب العمل وحسب الفقرة الثانية من المادة (95) من قانون العمل، وفي حال عدم امتثال أصحاب العمل يتم رفع مخالفتهم الى محكمة العمل لإصدار الأحكام بحقهم”.
*عن موقع نقاش.