(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 29
جاسم محمد*
ردود فعل حكومية
اعربت السلطات الامنية في جمهوريات اسيا الوسطى والقوقاز عن قلقها من تزايد انضمام مواطنيها الذين يقاتلون الى جانب التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا. واصبح المقاتلين العائدين من في العراق وسوريا يشكلون تهديدا كبيرا على الامن في الصين وروسيا ودول اسيا الوسطى. وتضم منظمة شنغهاي للتعاون كلا من الصين وروسيا ودول الجوار من اسيا الوسطى: كازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزستان واوزبكستان. ونقلت وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا) عن تشنج القول في العاصمة الطاجيكية دوشنبه بان هؤلاء الاشخاص بدأوا العودة الى اوطانهم، وهو ما ينطوي على تهديد كبير للأمن الاقليمي. يشار ان القضاء الكازاخستاني يعارض ويقاضي تجنيد مقاتلين الى سوريا او الترويج الى الإرهاب. ان هجرة هذه العوائل وعلى شكل اعداد ومجموعات كبيرة، بدون شك تكون منظمة من قبل تنظيم ” الدولة الاسلامية” من خلال الاقسام المعنية باستضافة “المهاجرين” واستقبالهم، وتكون عبر مضافات دول اخرى بينها افغانستان وتركيا. يعمل التنظيم ضمن واجهات مهنية لأغراض متعددة منها غسل الاموال ونقل المقاتلين واتمام صفقات الاسلحة والعجلات وغيرها من خبرات ادارة شؤون “الولايات”.
تهجير السكان المحليين من سوريا
اعتمد البغدادي مؤخرا في ادارة شؤون “دولته” على الاجانب، ابرزهم الشيشان وكذلك من اسيا الوسطى اضافة الى الاوروبيين الذين يمثلون صلب النشاط الاعلامي للتنظيم، اما الشيشان واسيا الوسطى، فعرفوا بشدة القتال والحماس والى جانب الدافع “العقائدي” فان تنظيم “الدولة الاسلامية” يدفع رواتب ومستحقات الى المقاتلين في سوريا والعراق لا تقل عن 600 دولار شهريا للشخص الواحد، حد ادنى مع امتيازات اخرى من “الغنائم” وتكاليف الزواج والسكن والزعامة. التقارير من داخل سوريا كشفت ان عوائل واطفال المقاتلين الاجانب ينعمون بحياة مترفة مقارنة الى اطفال سوريا. ان الطريقة التي تظهر فيها “الدولة الاسلامية” من اسلوب الحوكمة والادارة داخل ولاياتها برغم وحشيتها في القتال، تشجع وتستقطب مقاتلين جدد للانضمام الى التنظيم برغم تصاعد حدة المواجهات المسلحة. التنظيم يعمل على تهجير السكان المحليين وجلب “مهاجرين” لفرض سيطرته وتغير خارطة المنطقة السكانية ورفع الحدود.
التنظيم يستهدف النساء الاجنبيات
كشفت المعلومات من العراق وسوريا، ان مواجهات التنظيم مع عشائر الانبار منها ال بو نمر وال بو فهد وكذلك العشائر في سوريا ابرزها الشعيطات، دفعت التنظيم الى اعتماد العنصر الاجنبي بدلا من العناصر المحلية في القيادة، برغم ان التنظيم مازال يحتفظ بالخط الاول من المقاتلين من العراقيين. الخطوة التي اتخذها البغدادي، هي خطوة احترازية لتجنب العزل والتهميش او وخروج قيادات ميدانية وانشقاقها. ان جلب مقاتلين مع عوائلهم او بمفردهم من جنسيات متعددة من شأنها تعمل تهجين الى الطبيعة السكانية للمنطقة خاصة العراق وسوريا وربما تمتد الى دول الجوار، ويظهر جيل من ابناء “الدولة الاسلامية” على غرار ايتام تنظيم القاعدة يمثل تهديدا للمنطقة. وكشفت ادبيات التنظيم بان اغلب مجموعات كازاخستان هم من النساء بسبب دورهن في التنظيم والذي اختلف تماما عن دورهن في القاعدة وباقي التنظيمات. التحقيقات كشفت بان شبكات التجنيد على الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي من النساء، اما الاستخبارات العراقية، فقد كشفت ادوار جديدة للنساء في تبادل الرسائل ما بين قيادات التنظيم، اضافة الى الادوار التقليدية الاخرى منها الطبابة، المستشفيات الميدانية والخطوط الخلفية. تشكلت جماعة الخنساء وغيرها داخل التنظيم للقيام بمهام قتالية ايضا. اما الاطفال، فيتم استعمالهم في الحماية الشخصية وفي المراقبة وايصال الرسائل، وما يهدف اليه التنظيم هو خلق جيل، قائم على الطاعة والولاء والصرامة اضافة الى الخبرات القتالية. برغم ان التنظيم يعتمد على الشبكة العنقودية في التحرك والتجنيد، لكن ما يتعلق في جماعة كازاخستان، يرجح ان يكون عملية تدفق المقاتلين من خلال ايفاد مبعوثين من قبل زعيم التنظيم البغدادي للنشاط هنالك وضمن شبكة عمل تقوم بالتزكية ومتخصصة في نقل المقاتلين على غرار شبكات الاتجار بالبشر عبر الحدود.
بعد تشكيل اول كتيبة نسائية داعشية في الرقة، بدأت “داعش” في تجنيد الاطفال في سن العاشرة من ابناء المدينة. يخضع التنظيم اولئك الاطفال الى دورات خاصة تحت اسم “دورات الاشبال” وذلك للتأثير فيهم وتغيير طريقة تفكيرهم لكي تتقبل القتل والتكفير وكشف ايضا عن معسكر “اشبال الزرقاوي” قبل هذا الوقت. هذا من شأنه ان يخلق جيلا مواليا الى التنظيم وسيكون اكثر شراسة واكثر دموية من التنظيم الحالي، وهذا يعني ان المنطقة سوف تشهد تحديات اصعب من السنوات السابقة بخلق جيل يعيش في محميات” جهادية” خارج عالمنا المعاصر.
ان ما يحدث من توسع وتمدد للتنظيم، الى اسيا الوسطى ليضرب بتداعياته الصين وروسيا، يثير الكثير من التساؤلات حول سر “قوة” هذا التنظيم. هذا يعكس صلابة “أيديولوجية” هذا التنظيم الدموية والوحشية التي تشبع اعداد من الشباب المنحرفين فكريا قبل ان يكون سلوكيا، وتأثيره من خلال وسائل التواصل الاجتماعي و المبعوثين للحصول على بيعات جديدة. اهمية التساؤلات ربما تكمن بتصاعد اعداد الاجانب اكثر نسبيا من المقاتلين المحليين، خلال المواجهات المسلحة وما بعد اعلان “الخلافة او الدولة الاسلامية” من قبل البغدادي في يونيو 2013. وتقول صحيفة التايمز البريطانية في عددها الصادر يوم 18 نوفمبر ان وحشية تنظيم الدولة الاسلامية لها مبررها الخاص بالنسبة لهم، حيث ان التنظيم يدير حملة دعاية واعية وذكية، ويدرك ان اعداما بالغ الوحشية سيرسل موجات من الفزع في شتى بقاع العالم.
بات ضروريا ان تقوم الدول بمسؤولياتها القانونية والاخلاقية لمواجهة هذا الفكر “التكفيري من خلال دعم منابر الوسطية ضد التطرف بعقد المؤتمرات والمنتديات وهذا ما تفعله دولة الامارات والمملكة العربية السعودية والازهر الشريف بين فترة واخرى. تبقى وسائل التواصل الاجتماعي ـ الانترنيت، العصب الرئيس في خطاب هذه الجماعات، التي تجتاح تويتر وتطبيقات “جهادية” اخرى. اعترفت هذه الجماعات بإغلاق بعض حساباتها، لكن مازالت هذه الخدمة والتطبيقات تمثل بوابة الانفتاح على عالم التنظيم الافتراضي. لذا يجدر فرض الالتزامات القانونية والقضائية على الدول التي تدير هذه الخوادم، وهي في الغالب اميركية، اضافة الى محركات البحث جوجل والفيس بوك، وما اتخذته الدول الاوروبية خلال شهر اكتوبر من خطوات للاجتماع بمسؤولي جوجل والفيس بوك يبدو انها غير فاعلة لحد الان.
جهود حكومية لمواجهة شيطنة الانترنيت
سياسات مكافحة الإرهاب الرقمي
ان استعمال تنظيم الدولة الاسلامية” الى الانترنيت في “دعايته الجهادية” والتجنيد مثل افضل نموذج تعاملت معه هذه الجماعات مع الجيل الرابع من “الجهاديين”. لقد نحج تنظيم “الدولة الاسلامية” باستعمال العالم الرقمي الافتراضي الى اقصى حد. فالهجوم الالكتروني الذي تعرضت له قناة ” تي في 5 ” في 11 ابريل 2015 يعكس ذلك والذي جاء نتيجة تراجعه على الارض. وفي هذا السياق يقول العميد خالد عكاشة ان الاعلام سلاح اساسي لتنظيم داعش، وليس مكملا او ثانويًّا، وليس الهدف منه مجرد استجلاب المؤيدين، مشيرًا الى ان وسائل اتصال التنظيم تتعدى استعمال الاعلام، بل امتدت لتأطير علاقات مع التنظيمات “الجهادية” الاخرى، وهو ما يُشير الى ان استراتيجية داعش على الارض قد وضعت من قبل خبراء، كما هو الحال في تعامل التنظيم مع الاعلام.
يمكن القول ان السياسات الاوروبية في مواجهة ارهاب “الدولة الاسلامية” وشيطنة الانترنيت، بانها لم تكن ترتقي الى مستوى التحدي ونشاط هذه الجماعة. وما يثير الاستغراب ان المواقع التي تنشط عليها “الدولة الاسلامية” داعش تدار من قبل خوادم غربية ، اميركية ابرزها محرك “جوجل”. وبرغم الانتقادات الموجهة الى ادارة الخوادم والمحركات للشبكة العنكبوتية ومنها وسائل التواصل الاجتماعي “تويتر” و”الفيس بوك”، فان فلسفة الاستخبارات في مواجهة هذه الجماعات تختلف عن ما تؤمن به دراسات علم النفس والاجتماع ومكافحة الجريمة مجتمعيا. وتعتقد اجهزة الاستخبارات ان اعطاء هذه الجماعات حركة ونشاط مفتوح، يمنحها فرصة الى فهم اكثر ومعرفة ما يجري داخل هذه الجماعة افضل ما تكون عالما مغلق. وفي هذا السياق بدا الاتحاد الاوروبي يوم 16 ابريل 2015 تحركاته العملية ضد شركة غوغل بتهمة استغلال موقعها العملاق، معتمدا استراتيجية هجومية ضد “جوجل” بعد ان فشلت محاولات سياسية طوال سنوات. وبذلك اقترب الاتحاد خطوة نحو احتمال تغريم عملاق الانترنت. وسبق ان عقدت دول الاتحاد الاوروبي والمفوضية عدد من الاجتماعات مع ادارة “جوجل” ومحركات اخرى في بروكسل منتصف عام 2014. يبدو ان الاتحاد الاوروبي بدء ينتهج سياسة جديدة اكثر حزما مع شركات خوادم ومحركات الانترنيت، كونها بدئت تؤثر مباشرة بأمنها القومي من خلال الدعاية “الجهادية”.
نظمت وحدة دراسات الراي العام والاعلام بالمركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، في 11مارس 2015، حلقةً نقاشيةً تقول فيه ان ثمة مقولات قيد التسليم بها لا بد من مراجعتها لمعرفة السياق الذي وجد فيه تنظيم الدولة الاسلامية “داعش”، اولها: ان الدول الغربية ضد التطرف الذي يمثله “داعش” وتحارب الجماعات الإرهابية، (..) حيث العديد من الاشارات التي تدل على تورط اطراف دولية في دعم جماعات ارهابية لتحقيق مكاسب سياسية، (..) وان هناك قرارًا دوليًّا بمحاربة داعش، وهو ما لم يتحقق حتى الان، ولا توجد ثمة استراتيجية دولية للقضاء على التنظيم (..).
* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة