من محضر جلسات وفدي الاتحاد الاشتراكي المصري والعراقي بشأن القضية الكردية في العراق

عبد الكريم فرحان:
الخلاف الاساسي بيننا وبينكم هو ان المجتمع العراقي مر بمرحلة خطيرة من الارهاب والحكم الشيوعي. ثم البعث لذلك تكره غالبية الشعب العراقي الحزبية كراهية شديدة.

أديب الجادر:
اما بالنسبة لموضوع الاحزاب في العراق فالواقع انها هي التي ساعدت على قيام الثورة. فقبل عام 1958 كانت هناك جبهة وطنية تضم الشيوعيين والبعثيين وكان الشيوعيون وطنيين حتى 1959 وكان البعثيون حتى عام 1963 كذلك… كنت في الاتحاد السوفياتي ووجدت معلوماتهم عن العراق كانت خاطئة تماما. فالشيوعيون ينشرون معلومات كاذبة عن العراق. ان الشيوعيون في عهد عبد الكريم (قاسم) سجنوا حوالي 80 الف شخص والبعثيون فعلوا ذلك تقريبا وفي فترات حكمهم لم يحققوا اجراءات اشتراكية.

عبد العزيز الدوري:
ثورة الزنج القديمة في بغداد لم تكن ثورة اشتراكية كما يقال احيانا لكنها كانت ثورة عبيد ضد اسيادهم وثورة الاسماعيليين كانت تستند في بدايتها الى مبادئ اسلامية لكنها اتخذت بعد ذلك اتجاها شيوعيا فأصبحت تتنافى مع المبادئ الاسلامية.
من المفيد عندما نتعرض للمشكلة الكردية ان نبدأ بتصحيح بعض الافكار الخاصة بتاريخ العراق. لقد كان العراق دائما وحدة واحدة ولم يحدث ان انقسم الى عدد من الاقسام كما ادعى البعض وكان يشار دائما الى شمال العراق باسم منطقة الجبال او منطقة الجزيرة ولم يقل احد في تاريخ العراق ان اسمها «كردستان» او «عراق العجم» فهذا الاسم لم يظهر الا اخيرا. وفي هذه الحدود الطبيعية لم تظهر قط دولة او امارة حتى في عهد العباسيين بسبب طبيعة الارض الوعرة وصعوبة ربطها معا. واثناء الحرب العالمية الاولى تقدم بعض العسكريين الاكراد المشتركين في قوات الحلفاء بطلبات خاصة باسم الاكراد وعملت دول الغرب على تشجيع هذه الحركة لمواجهة الدولة العثمانية في ذلك الوقت وكان من هذه الطلبات تكوين وحدة ادارية عاصمتها «السليمانية» وعندنا نص المراسلات التي تبادلها الاكراد مع دول الغرب وفي فترة الانتداب تركز دائما على حقوق الاقليات واحترام حقوقها… كما كان من خطة (قاسم) الاعتماد على الاكراد لمقاومة القومية العربية.

عبد الكريم فرحان:
في الحقيقة ان الاكراد لم يؤلفوا قط حكومة خاصة وكل ما حدث في العصور السابقة ان بعض الشيوخ كانوا يمارسون نوعا من الخروج على السلطة المركزية عند ضعف السلطان كما يحدث في اي مجتمع اقطاعي. واكثر من هذا اننا لا نستطيع حتى الان ان نحدد لهم بدقة منطقتهم. ثم ان لهم اصولا متعددة وبعض قبائلهم تزعم انها في الاصل من «مضر» والبعض يزعم انه من «الرمادي» فالعنصر العربي ممتزج بالعنصر الكردي.
من قبل ان تنشأ اي ثورة في الشمال بسبب قومي. وعندما عاد (البارزاني) من الاتحاد السوفياتي اعتمد على شيوخ القبائل وكون حزب (البارت) وحاول ان يعطيه مظهرا قوميا اي مظهر المكافح من اجل تحرير شعب وهم في الحقيقة لا يكونون سوى عشرة بالمائة من الاكراد ، ويعتمد (الملا مصطفى) ايضا على بعض الشيوعيين الذين يحملون السلاح في القتال المسلح. واخيرا اتصل البارزاني بالسعودية وبمتصرف السليمانية وطلب حقن الدماء… وفي رأيي ان (عبد الكريم قاسم) شجع الاقلية الكردية لتقف في وجه الوحدة العربية.

اديب الجادر:
في الاجتماع الاخير مع مندوبي الحزب السوفياتي استعرضنا معهم الموقف وتهديدات الاستعمار وخصوصا في ايران وكيف يحاول الاستعمار اثارة الاكراد لتهديد العراق وابلغناهم بأن لدينا الادلة على الاتصال بين الاكراد والقوى الاستعمارية فقالوا انهم يعتقدون بأن هناك بالفعل اتصالات ولكن ليس مع (الملا مصطفى البارزاني) والحقيقة انه لا توجد مشكلة للقومية الكردية في العراق لاننا نعترف بهم وبلغتهم وبحقهم في استخدامها في المدارس الخ… ثم انهم في العراق مليونان وفي تركيا 6 ملايين وهم هناك ينكرون القومية الكردية فلماذا لم تنفجر المشكلة الا في العراق؟
بالنسبة للروس اظن ان خطتهم هي ان حصول الاكراد على المزيد من الحقوق في العراق سؤدي الى اثارة الاكراد في ايران وتركيا. وفضلا عن هذا يرتبط موقف الروس من الاكراد بمحاولته للدفاع عن الحزب الشيوعي العراقي. وفي ظل الحكم البعثي دفعوا للطلبة الاكراد معونة جعلوها عن طريق الحزب الشيوعي العراقي بالذات. القضية لأن ليست قضية داخلية خاصة بالعراق. ولكن توجد لها اصول خارجية.

عبد العزيز الدوري:
في الحرب العالمية الثانية قدم لنا الالمان خريطة لاقامة دولة كردية من بحر قزوين حتى الاسكندرونة.

فؤاد الركابي:
ولهذا لم تكن مصادفة ان المشكلة لم تظهر الا بعد 14 تموز والقوى الانفصالية في ايران وتركيا تدعم هذه الحركة. والجيش الاول الايراني يساعدها. وقد حدث في ايران التقاء بين ممثلي هذه الحركة وممثلي اسرائيل. وهذه واقعة مؤكدة لكن الكيان العراقي لا يحتمل اكثر من الاعتراف بالمساواة الكاملة. وفي رأيي ان الحكم اللامركزي لا يحل المشكلة ولكنه يفتح الباب لمشكلة اكبر ويعطي فرصة لمطالب اخرى مثلا هم يرسمون حدودا تضع (الموصل) و(كركوك) في المنطقة التي يطالبون بها. وهذه مشكلة كبرى لأن اقتصاد العراق مبني على البترول في (كركوك) . حتى عام 1945 لم يكن الاكراد يشكلون سوى 10% من لواء (كركوك) ولكنهم وصلوا اليوم الى نسبة 48% كيف حدث هذا؟ حدث بواسطة تهجير منظمة تشرف عليها شركات البترول عن طريق استحضار عمال الاكراد وعائلاتهم ومن هذا تتضح مصالح شركات البترول في تأكيد الكيان الكردي. وفي رأيي ان قضية الاكراد لا تحلها سوى الوحدة العربية.

اديب الجادر:
في الحقيقة ان (البارزاني) شيخ عشيرة. اي انه اقطاعي قبلي لا يمكن ان يؤمن بالديمقراطية ولا بالاشتراكية ولعل اكبر دليل على ذلك ان ثورتهم بدأت بالتحديد عام 1960 وهو العام الذي امتد فيه قانون الاصلاح الزراعي الى مناطقهم . واذا تأملنا وضع اعوان (البارزاني) نجد نفس الشيء ومنهم على سبيل المثال (عباس مامند).

احمد بهاء الدين:
ولكن لماذا لا يمارس الفريق الكردي المؤيد للحكومة دوره؟ ان التيار الذي تردد الاخبار عنه خارج العراق هو تيار (البارزاني) ومن الواجب ان ينشأ صوت اخر للاكراد تشجعه الحكومة وتعطيه بعض المكاسب.

عبد الكريم فرحان:
ان الاكراد يخافون من عمليات الارهاب والاغتيال التي مارسها البارزانيون ضد الموالين للحكومة. ان المشكلة يمكن أنهاؤها في دقيقة واحدة لو تخلت الحكومة العراقية عن الموقف الوحدوي التقدمي . ولو اعلنا مثلا التعاون مع طهران بدلا من القاهرة .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة