هشام المدفعي
اعتادت الصباح الجديد ، انطلاقاً من مبادئ أخلاقيات المهنة أن تولي اهتماماً كبيرًا لرموز العراق ورواده في مجالات المعرفة والفكر والإبداع ، وممن أسهم في إغناء مسيرة العراق من خلال المنجز الوطني الذي ترك بصماته عبر سفر التاريخ ، لتكون شاهداً على حجم العطاء الثري والانتمائية العراقية .
واستعرضنا في أعداد سابقة العديد من الكتب والمذكرات التي تناولت شتى صنوف المعرفة والتخصص وفي مجالات متنوعة ، بهدف أن نسهم في إيصال ما تحمله من أفكار ورؤى ، نعتقد أن فيها الكثير مما يمكن أن يحقق إضافات في إغناء المسيرة الإنمائية للتجربة العراقية الجديدة .
وبناءً على ذلك تبدأ الصباح الجديد بنشر فصول من كتاب المهندس المعماري الرائد هشام المدفعي ، تقديرًا واعتزازًا بهذا الجهد التوثيقي والعلمي في مجال الفن المعماري ، والذي شكل إضافة مهمة في مجال الهندسة العمرانية والبنائية وما يحيط بهما في تأريخ العراق .
الكتاب يقع في (670) صفحة من القطع الكبير، صدر حديثاً عن مطابع دار الأديب في عمان-الأردن، وموثق بعشرات الصور التأريخية.
الحلقة 29
الفصل الثاني عشر
من مشاريع تطوير بغداد
عبد الوهاب المفتي ومنصب الوكيل الفني
عندما طلب رئيس الجمهورية من وزير الاسكان والتعمير في سنة 1983 في اثناء الحرب الايرانية ، انشاء طريق يربط الكوت بالقرنة شمالي البصرة ، ويخترق مناطق الاهوار ، كبديل للطريق الحالي الذي يربط الكوت بالعمارة فالقرنة . بين الوزير محمد الحبوبي ان فترة انجاز هذا الطريق تستغرق زهاء السنتين . غير ان عبد الوهاب المفتي الذي كلفه رئيس الجمهورية بمهمة انشاء الطريق المذكور ، لم يستغرق في انجازه سوى ستة اشهر فقط . وقد شاهدنا على التلفزيون الاعمال الجبارة التي قام بها مهندسو وعمال المؤسسة العامة للطرق والجسور بقيادة عبد الوهاب المفتي ، والفرحة العارمة لفرقتي العمل عند التقائهما في نقطة اللقاء لهذا الطريق المهم عسكريا والحرب قائمة على اشدها . وقد قلد المفتي لانجازه الهندسي المهم هذا وسام الرافدين من الدرجة الاولى.
في اليوم الاول من عام 1983 ، وبسبب استمرار الحرب وتطورها ، توقف الصرف بالعملة الصعبة على مشاريع التشييد . وطلب من كل وزير ان يتصرف بتمويل مشاريعه ان اراد استمرارها وانجازها، اما التمويل عن طريق البنوك او بالطرق الممكنة الاخرى . وبغية اكمال شراء المعدات والمكائن اللازمة الى مؤسسة الطرق والجسور ، طلب عبد الوهاب الموافقة خارج العرف الرسمي على بيع فوسفات بكميات كبيرة الى الاسواق العالمية ، وحصل على الموافقة . فاستدعى بعض معارفه من التجار الكويتيين ، واتم الصفقة بعشرات الملايين من الدولارات . وقد امر رئيس الجمهورية ان تقتسم المبالغ بين وزارة الاسكان وامانة العاصمة .
استطاع المفتي وبطريقة يسيرة ان يسدد كلف جميع المكائن والمعدات التي استوردها لحساب وزارة الاسكان وامانة العاصمة ، اذ تم استيراد مئات السيارات الحوضية وجمع النفايات والمعدات الاخرى . واتضح ان عبد الوهاب كان قد طلب من التجار الكويتيين (بشكل غير قانوني ) ان يتركوا باسمه مقدار خمسة بالمئة من مبلغ تلك الصفقة في احد البنوك الكويتية . والسبب في ذلك ، كما روى لي في حينه ، مع استغرابي ، هو شراء الحاجيات الآنية لدائرته من الكويت دون اللجوء الى طلب مبالغ من الدولة . وقد استرجعت تلك المبالغ من بنوك الكويت في فترة لاحقة (عندما القي القبض عليه وقدم حسابات ما موجود لديه هناك ).
روى لي عبد التواب الملا حويش وهو نائب رئيس الوزراء ،انه التقى عبد الوهاب المفتي ، وهو في الفندق الذي اقام فيه عند حضوره احد المؤتمرات الرسمية في باريس ، وكان المفتي مقيما في الفندق نفسه (خلال سنوات الحرب الايرانية ) .وقد شعر عبد التواب باحراج شديد عندما علم ان السفارة العراقية لا يمكنها صرف نفقات الفندق ، وكانت عدة آلاف من الدولارات عن اقامة الوفد . وعند بحثه الامر مع عبد الوهاب المفتي لايجاد الحل ، اخذ عبد الوهاب قوائم الفندق وسجلها على حسابه ودفعها كما قال منهيا تلك الازمة المحرجة للوفد العراقي .
مهام خطيرة – نقل مدينة البصرة غرباً
أنيط بعبد الوهاب المفتي خلال الحرب العراقية الايرانية العديد من المهام ، وقد انجزها بنجاح كامل . واود ان اذكر هنا موضوعين ، قد لا يعرف عنهما الا القلة من المسؤولين والمهندسين . غير ان هذين الموضوعين ، كانا من الامور المهمة ، والناجمة عن متطلبات الحرب الايرانية يومئذ . وتعبر عن التفكير العسكري للدولة في تلك المرحلة .
في مساء احد الايام ، كنت في مكتبي بأمانة العاصمة ، وخابرني عبد الوهاب المفتي ، وطلب حضوري الى مكتبه . جلست الى جانب منضدته حيث اعتدت ان اجلس ، فسلمني رسالة من رئيس الجمهورية ، مؤطرة بالاطار الاعتيادي لمراسلات الرئاسة ، وموقعة بتوقيع الرئيس نفسه ، ومعنونة الى امين العاصمة بصفته المسؤول عن الجهد المدني المواكب للجهد العسكري في العمليات العسكرية .
تضمنت الرسالة امراً بتشكيل لجنة برئاسة امين العاصمة ، تقوم باجراءات نقل مدينة البصرة الى مسافة ثلاثين كيلو مترا غربا . وعلى امين العاصمة تنفيذ الامر . وواضح ان الامر غير منطقي وغير صحيح ، وهذا ماقلته للأمين . ولكن يجب تنفيذ الامر ، فاستدعاني لابداء النصيحة اللازمة لتنفيذ هذا الامر الرئاسي الغريب . والحرب تحتم تنفيذ المطالب العسكرية قبل كل شيء ، وهي في أشدها على مشارف البصرة .
بعد التحاور مع امين العاصمة حول هذا الامر الرئاسي العجيب ، واسبابه ،واسلوب تنفيذه . تذكرت ان الحرب مع ايران مضى عليها نحو الخمس سنوات ، وقد دمرت تلك الحرب معظم القرى الواقعة على الحدود للطرفين المتحاربين ، وبالاخص في منطقة كردستان الجبلية . وبغية الحفاظ على المدنيين ، فقد هجّرت القوات العسكرية ( او انها دفعت الى الداخل ) جميع سكان تلك القرى لمسافات لاتقل عن ثلاثين كيلو مترا عن الحدود ، بغض النظر عن توفر مساكن لهم في اماكنهم الجديدة . لذا تكونت قرب المدن الكبيرة تجمعات سكنية او مستوطنات اشبه ما تكون بسكان الصرائف سابقا . وهي تجمعات خالية من الخدمات البلدية والصحية كافة . واستمر تذاكرنا بالموضوع ، ولم نجد اي سبب آخر سوى تأثير قيادات الجيش على رئاسة الجمهورية لتصدر هذا الامر العجيب .
ماهي الخطوة الاولى لتنفيذ ذلك ؟ ، وماهي المنطقة المناسبة في غرب البصرة لاستيعاب نحو مليون نسمة من سكانها ؟ ، ومن هم المرشحون لتاليف اللجنة المختصة مع امين العاصمة . ولايخفى ان الامر يحتاج الى اجراءات تخطيطية وتحضيرية قبل المباشرة بعملٍ خطير كهذا ، على الرغم من انه اجراء مؤقت .
وانا اكتب هذه السطور اكاد لا اصدق نفسي باني اطلعت على هذا الامر الرئاسي ، واستدعيت لتقديم المشوره فيه ! . تركت مكتب امين العاصمة بين مصدق ومكذب ،ولكن علي ان اقدم النصيحة لامين العاصمة الذي استدعي على عجل الى منطقة العمليات العسكرية في القاطع الجنوبي . وقد بقي هناك لعدة ايام . ومن العجيب الملفت ( وربما المفرح ايضا ) ان امين العاصمة المفتي ، ترك بحث هذا الموضوع بعد عودته . كما اني لم ابحثه معه مرة اخرى . ويبدو ان البعض ادرك ان مدينة كالبصرة بتاريخها الطويل وسعتها ، لايمكن ان تعامل كقرية مثل القرى الحدودية .
أنشاء ميناء الفاو الكبير
والموضوع الثاني الذي اود ذكره في هذه الاوراق ، هو انشاء ميناء الفاو الكبير وهو عبارة عن لسان ترابي يخرج من الاراضي العراقية ، غرب مصب شط العرب يمتد الى مياه الخليج العربي ، بطول لايقل عن عشرة كيلو مترات . بحيث تستخدم جوانبه كميناء عراقي على الخليج ، اضافة الى مينائي البصرة وأُم قصر . وكالمعتاد خابرني عبد الوهاب المفتي مساء ، بمجرد وصوله الى مكتبه بالأمانة ، وطلب مني الحضور في مكتبه . فعرض عليّ الامر التحريري من رئيس الجمهورية ، المتضمن ان يقوم امين العاصمة عبد الوهاب المفتي بتنفيذ هذا الامر خلال خمسة سنوات ويخول صلاحية رئيس الجمهورية لتنفيذ المشروع .
وعند البحث في الموضوع عرفتُ ان المفتي بحث في الامر مع رئيس الجمهورية قبل صدور الامر ، والتزم امام الرئيس بان تنفيذه سيتم خلال خمس سنوات . وعرفت ايضا ان طه ياسين رمضان ، الشخصية القيادية في الحزب والدولة آنذاك ، قد اعلمه ان الاشغال العسكرية في وزارة الدفاع قد عرض عليها الموضوع ، واجابت بان مدة التنفيذ قد تستغرق سنوات طويلة ، وان المدة التي التزم بها عبد الوهاب المفتي غير كافية ، بل قصيرة جدا ! ، لذا طلب مني ان افكر معه في مبادئ ومنهج تنفيذ المشروع .
تبادر الى ذهني ونحن نبحث في الامر بعض الاعمال المماثلة في العالم واساليب تنفيذها ، ومنها المشروع الهولندي ( zider zea )، وهو الساتر الذي وضعته الحكومة الهولندية في بحر الشمال لتمنع مياه البحر من الوصول الى مساحات كبيرة من الاراضي ودفنها بعدئذ بالتراب لتكوين اراضٍ جديدة واضافتها الى الاراضي الهولندية . كما تبادر الى ذهني ايضا العوامات الكونكريتية باحجام 50 × 10 متر ، وعمق نحو 3 أمتار التي صممها المهندس الايطالي المشهور ( NERVY )، التي وضعت في السواحل البريطانية وسحبت يوم الانزال العسكري في الحرب العالمية الثانية على السواحل الفرنسية ، وفوقها الجنود والمعدات الحربية ، ثم اغرقت على السواحل الفرنسية لتكون قواعد ومنصات للجنود النازلين الى البر.
افترضنا ان اللسان الترابي الذي ننوي تنفيذه ، يكون عرضه 200 متر ، ليوفر مجالا للخزن المؤقت وللطرق والسكك والخدمات للميناء المقترح . فان اعتمدنا العوامات الكونكريتية ترصف الواحدة فوق الاخرى ، ثم تُكدس فوقها كتل حجرية لملء الفجوات وتكّون جسم اللسان المطلوب . ويجلب الحجر عن طريق احزمة ناقلة ، قد تبلغ اطوالها عشرين كيلومتر ، من جبل سنام الواقع في المنطقة الصحراوية القريبة جنوب غرب مدينة البصرة . كل هذه افكار اولية وبدائية ، فكرنا بها في تلك الساعة .ولكن قبل كل هذه الامور وللتفكير بشكل علمي سليم ، اقترحت على عبد الوهاب المفتي ان نعتمد مهندسين استشاريين بريطانيين لكونهم اكثر الخبراء معرفه بالخليج العربي، بالتعاون مع مهندسين وذوي خبرة هولنديين لكونهم اكثر خبرة بأمور مماثلة ، لاجراء المسوح البرية والبحرية ، والقيام بالدراسات المطلوبة ، ووضع خطة واضحة للعمل .
في اليوم التالي ، طلب عبد الوهاب المفتي من وزير التخطيط اضافة مبلغ قدره مائة مليون دينار لهذا المشروع . وادخل وزير التخطيط هذا المبلغ في المنهاج الاستثماري للسنة تلك . وبعد ايام من بحث هذا الامر ، غادر عبد الوهاب المفتي ومعه المهندسة سميرة رضاعة الى
انكلترا ، لاستكمال الاتصالات الاولية مع الاستشاريين حول المشروع . غير ان اعمال المشروع كافة ، توقفت بعد القاء القبض على عبد الوهاب المفتي في ربيع 1986 ، ولم تنفذ من المشروع سوى الدراسات الاولية . انتهت خدمات عبد الوهاب المفتي في 23/6/1980 لقد كان مهندساً جريئاً وانجز مشاريع عملاقة في ظروف الحرب .
توقف الصرف بالدولار
في كانون الاول 1982 التقيتُ رفعة الجادرجي في لندن بعد ان انهى عمله مع امانة العاصمة وسألني : هل تعلم بتوقف الصرف بالدولار في العراق ابتداءً من 1/1/1983 بأمر من رئيس الجمهورية ؟ لم اكن اعرف ذلك فبينت له هذا . وعند عودتي الى بغداد تاكد لي الامر . وقد اثر هذا القرار على جميع المشاريع الحكومية ومن ضمنها امانة العاصمة ، اذ كيف ستدفع المبالغ وسلف المقاولين وتحول الى العملة الصعبة ؟.
أوضحت الحكومة العراقية موقفها ، بأن على المقاول الذي يرغب في استمرار عمله بلا توقف ، ان يحصل على قرض من البنوك لتغطية ما تبقى له من العملة الصعبة ، ويقوم البنك المركزي العراقي بضمان ذلك القرض .اربك القرار جميع المقاولين وارباب الاعمال والمصارف والعمال ومجهزي المواد . حضر احد مدراء كبارالبنوك البريطانيين من لندن على وجه السرعة الى بغداد ، فقابلني وتحدثنا بالامر ، وطلب في ان اجيب على سؤال واحد ، هل هذا الموضوع صحيح ام لا ؟ ويبدو انه جاء الى بغداد للتأكد بنفسه من الموضوع . عندما علم بالحقيقة اجابني وهو بحيرة من أمره ، بأن البنوك الاوربية لاتعرف كيف تتعامل مع العراق حاليا .. لأن العراق كان دائما وعلى مدى السنين يدفع المستحقات نقدا ، ولاتوجد لديهم سابقة في كيفية التعامل مع العراق عن طريق القروض ، وعلى السوق الاوربية المشتركة ان تتفق على صيغة للتعامل مع العراق عن طريق القروض .
كنت ممثلا لأمانة العاصمة لبحث تلك المواضيع في اللجنة المختصة برئاسة نائب رئيس الوزراء طه ياسين رمضان ووزير التخطيط سامان مجيد واخرين . وقد وجهنا رئيس لجنتنا و وزير التخطيط بأنه من غير المسموح التسامح او الموافقة على صرف اي مبلغ بصورة غير صحيحة . ويبدو ان هذا الوزير كان غير متفهم لتقاليد الاعمال واساليب وشروط المقاولات و وضع الحلول للمشاكل التعاقدية ، لذلك لم يفلح في عمل لجنته . شكلت الدولة لجاناً اخرى ، وقد رأس وزير الاسكان محمد فضل الحبوبي لجنة الشركات الاوربية هذه . ولم يستطع التوصل الى حلول عملية لتمويل المشاريع .
لتمويل اي مشروع ، تطلب البنوك معرفة مبالغ التمويل ، وذلك بعد حسم جميع المشاكل التعاقدية من ناحية المطالبات والاعتراضات ومدد العمل . كما تطلب ضماناً من البنك المركزي العراقي بكفالة دفع المبالغ . قررت القيادة ان تتشكل لجنة في كل وزارة لهذا الموضوع وترتبط بنائب رئيس الوزراء مباشرة . كلفني امين العاصمة وترأست شخصياً لجنة امانة العاصمة ، يساعدني ممثل من البنك المركزي وهو الاستاذ عبد الاحد والدكتور فائق عبد الرسول من اللجنة الاقتصادية ، وعضو من كل مشروع خضع لتلك التغييرات المالية . وفي خضم النقاشات ومخاطر توقف المشاريع ، وفي احدى جولاتي مع امين العاصمة سمير الشيخلي في شارع حيفا في شباط 1983 طلب مني الا يتوقف اي (كرين ) عن العمل ، للدلالة على اهمية الاستمرار بالعمل ، وعدم تاثره بما وقع .
كانت اجتماعاتنا تعقد مساءً كل يوم تقريباً وللتغلب على الصعوبات التعاقدية قررت الاستعانة بمساحي الكميات والمهندسين من دائرتي لبحث وتحليل ومناقشة المقاولين المطلوب البحث معهم من لجنتنا ومعرفة وجهات نظرهم ونقاط الخلاف للاتفاق بموجب العقود على المبالغ المتبقية للمقاولين ، وتحديد شروط ومدة انجاز الاعمال . بعد ان ننجز هذه الاتفاقات نرسل تقاريرنا الموجزة والمركزة عن المبلغ المطلوب والمدة الى نائب رئيس الوزراء ، وبمجرد ان يوافق عليها ، تصبح اتفاقات نهائية ترسل الى البنك المركزي . بهذه الطريقة استطعت وبمساعدة ممثل البنك المركزي الاستاذ عبد الاحد ….وممثل الدائرة الاقتصادية في مجلس الوزراء الاستاذ فائق عبد الرسول. وومثلي الدوائر الفنية ومساحي الكميات ان اتفق مع جميع مقاولي مشاريع امانة العاصمة باستثناء مقاول حيفا / 2 البلجيكي على اكمال الاعمال . وتحولت المشاكل التعاقدية من مشاكل حسابية موقعية الى قضايا مالية بين البنك المركزي والبنوك العالمية لتمويل المشاريع . واذكر هنا ان مجموعة الشركات الفرنسية التي نفذت مشروع مد انابيب ماء الكرخ ، قدمت مطالبات بمبلغ يتجاوز 96 مليون دينار عراقي عن عدد كبير من القضايا التعاقدية المختلف عليها . وبعد تدقيق التفاصيل بموجب العقود المبرمة تم الاتفاق مع المقاول على تسلم 12 مليون دينار فقط .
طلبتُ من عدنان جابرو مدير عام مصلحة اسالة الماء ان يقدر ما يحتاجه من مواد احتياطية لمشاريع ماء بغداد خلال خمسة اعوام قادمة لإدخالها في المبالغ المطلوبة ولضمان توفر مواد احتياطية لمشروع ماء الكرخ . قدمتُ تقريرنا النهائي الى نائب رئيس الوزراء للموافقة على مبلغ 18 مليون دينار كاتفاق نهائي . وافق نائب رئيس الوزراء بعد 24 ساعة من تقديم التقرير. وبذلك استمرت جميع ( كرينات) مشاريع امانة العاصمة بالعمل الحثيث لحين انتهاء الاعمال ، بعد ان كسبنا خبرات كبيرة في اساليب التفاوض مع المقاولين العالميين ، وطرق الاتفاق مع البنوك العالمية لتمويل المشاريع .
طلبني سمير الشيخلي صباح احد الايام ، فالتقيتُ به قرب معرض بغداد الدولي في المنصور . ترجل من سيارته وطلب عودتها الى مقر امانة العاصمة ، وجلس بجواري بسيارتي فاغلق جهاز المخاطبة ، وقال لي : اود ان اذكر لك شيئاً مهماً ، قال لدي قطعة ارض في شارع 52 في الكرادة ، واود ان أشيد دارا لي على هذه الارض . شجعته على البناء بالطريقة التي اشجع اصدقائي الاخرين ، وقلت له دعنا نضع التصاميم ، ويمكنك المباشرة بالبناء وبأي مبلغ متوفر لديك ، ولعل رئيس الجمهورية يساعدك بمنحك مبلغاً كافياً . فوجئتُ عندما اخبرني الشيخلي بألم واضح بعدم وجود ما يكفيه للمباشرة . قلت له : مهما كان انا واثق من انك ستوفر من وارداتك ما يساعد تدريجيا على البناء . قال : هشام .. هل تصدق بأني لدى عودتي ليلة البارحة الى داري في منطقة القصر الجمهوري وهي دارٌ تعود الى الدولة ، وجدتُ جميع اثاث داري مرميٌ بالحديقة ، وهناك من يُريد الاستيلاء على الدار تلك والانتقال اليها . هل تصدق ما اقول وانا امين العاصمة ؟ بالطبع لاتصدق .. ولكن المنافسة والمحسوبية داخل المنطقة الرئاسية شيءٌ لايصدق ، وهذا ما حدثَ لي الى ان اتصلتُ بالجهات العليا لإعادة الامور الى نصابها .
التزم سمير الشيخلي بنصيحتي ، وكلف رفعة الجادرجي بوضع تصاميم داره الجديدة ، وكلف احد المقاولين وباشراف المهندس معاذ الالوسي لبناء تلك الدار . تاكد لي بعد ذلك بأن مساعدة رئيس الجمهورية له كانت سخية ، بحيث امكنه تشييد دار كبيرة بطراز حديث لم اتفق مع رفعة على تصاميم الدار ، لعدم دخول اشعة الشمس الى غرفها بالشكل الصحي المطلوب .