في المرة الأخيرة التي تحدثنا فيها، أعرب مهدي عن قلقه إزاء وضع النساء والفتيات الصغيرات اللواتي يمثلن 50٪ أو أكثر من السكان العراقيين. مضطهدات نتيجة التقاليد المحافظة والتعصب الديني.
وأضاف أنه من أجل دمقرطة الدولة، علينا أن نبدأ بدمقرطة المجتمع، وهنا يتوجب دمقرطة أصغر خلية في المجتمع، وهي الأسرة.
وكان هذا القلق أحد عناصر كفاحه الطويل من أجل حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والتنمية البشرية، والحاجة إلى إقامة دولة ديمقراطية وعلمانية، يتمتع فيها جميع المواطنين بحقوق وواجبات متساوية، بغض النظر عن أصلهم العرقي اودينهم او تراثهم الثقافي.
ولد مهدي، المعروف لدى اصدقائه بأبو خيام، في الشامية في تموز 1937. ذهب إلى المدرسة في الشامية والديوانية، ودرس في وقت لاحق الكيمياء في جامعة بغداد، تليها دراسات الاقتصاد في جامعة براغ، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي.
وقد بدأ نشاطه السياسي في جامعة بغداد، وأصبح آخر أمين عام منتخب ديمقراطيا لاتحاد الطلبة العام في العراق.
وفي براغ انتخب أمينا عاما لاتحاد الطلاب العالمي.
ولدى عودته إلى العراق كرس وقته بلا كلل في الدعوة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان. وكان المؤسس الرئيس للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، وقد تم تأسيس هذا المركز لأول مرة في القاهرة، ثم عقدت موائد مستديرة ومؤتمرات في كل من النمسا، وتونس، ولبنان، ومصر، ونشرت أيضا اعداد كثيرة من التقارير عن حال حقوق الإنسان في البلدان العربية.
ثم انضم إلى اليونيدو (منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية) كموظف برامج، مسؤول عن المشاريع الإنمائية في سوريا، ولبنان، والأردن. وفي وقت لاحق أصبح المدير القطري لليونيدو المتمركزة في بيروت، والمسؤولة عن هذه البلدان الثلاثة.
وفي اليونيدو، كان شخصا محترما لحرفيته، محافظا دائما على هدوئه وادبه ودعابته وقلبه الدافئ.
في عام 1994 كان عضوا نشطا في بعثة الأمم المتحدة في جنوب أفريقيا، التي انهت نظام الفصل العنصري، وساعدت في تنظيم أول انتخابات حرة وديمقراطية، والتي جلبت نيلسون مانديلا إلى السلطة.
وكان مهدي مسؤولا عن العاصمة بريتوريا، حيث نظم لجان السلام التي اشركت جميع المجموعات العرقية والخصوم، بهدف المصالحة الوطنية، والانتخابات الحرة والمستقلة.
بعد سقوط النظام الاستبدادي، عاد مهدي إلى العراق، وانغمس بتفاني ونكران ذات في عملية إعادة إعمار العراق.
وكما قال السيد الاخضر الابراهيمي، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة المسؤول عن جنوب أفريقيا، وبعدها عن العراق في رسالة إلى عائلته «كان مهدي عراقيا فخورا ومكرسا وقته لخدمة بلاده، والمنطقة، والعالم، بتفاني نكران الذات».
أصبح مهدي وزيرا للتخطيط، ثم انتخب عضوا في البرلمان العراقي، وهو منصب شغله حتى الموت المفاجئ.
في هذه الوظائف كان محترما من قبل الجميع، بما في ذلك بعض خصومه، لالتزامه وتفانيه. وهنا اذكر ايضا انه نجا من محاولتي اغتيال.
وأنشأ مع بعض الزملاء والأصدقاء معهد التقدم للسياسات الإنمائية. وأتاح المنتدى التبادل الحر للآراء بين جميع فئات المواطنين والمثقفين، فيما يتعلق بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والبشرية.
وقد بذل أبو خيام جهودا هائلة في نشر مقالات وكتب عن التنمية والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان.
لروحك السلام رفيق مهدي حيث سيتم حفظ ونقل إرثك الخاص، من قبل أصدقائك وزملائك، ومن المواطنين والعائلة، بما في ذلك ابنتك أيسر، أبنائك خيام وحمودي وكذلك أحفادك.
السيد سورينس راداريان
دبلوماسي سابق في الأمم المتحدة ومقيم في النمسا