من أجل أن تكون البحوث الاستقصائية في الشرق الأوسط شفافة

«2 – 2»
ديفيد بولوك

الاستثناء الوحيد بين استطلاعات الرأي التي أجريتها، حيث يتطلّب الترجيح توفير مجاميع دقيقة، هو في لبنان، لأن العينة الفرعية المسيحية ممثّلة بشكل مفرط، وغالبًا ما تكون المواقف مستقطبة حسب الطوائف، وهذا ما يؤدي إلى تحريف في مجاميع البيانات غير المرجّحة. في بعض استطلاعات الرأي الأخرى، وبالرغم من أنّ العينات ممثّلة بشكل عام، تَرِد فوارق كبيرة في الاستجابة بحسب الطائفة (السنية أو الشيعية). وبالتالي، أهتم كثيرًا بعرض هذه الاختلافات بشكل مفصّل من الناحية الديموغرافية، بدلاً من تقديمها كمجاميع مرجحة ليس إلاّ. وفي هذا الإطار، قليلة هي الاستبيانات العربية الأخرى المستعدة أو القادرة على نشر هذه التحليلات الديموغرافية الطائفية الأساسية، بسبب القيود السياسية أو الموانع الاجتماعية.
وبالنسبة إلى الاستبيان الذي أجري في قطر، كان جينغلر محقًا بأنّ العينة الفرعية ذات التحصيل العلمي الأعلى تحيد عن المقاييس السكانية المنشورة. غير أنّ هذا الأمر لا أهمية له. إذ يحيد بنحو 11 نقطة فقط ضمن النطاق المتوقّع. وفي هذا السياق، تتمثّل مدينة الدوحة تمثيلاً زائدًا إلى حد ما، ويعزى الأمر مرة أخرى إلى الفوارق العشوائية في العينة التي حقّقها أسلوب الاحتمال الجغرافي الطبقي المتعدد المراحل. ولكن إذا جمعنا بينها وبين مدينة الريان المجاورة، توفّر العينة لهذا التجمع السكاني الحضري تمثيلاً عادلاً. كما تشكّل الفئات السكانية الأخرى تمثيلاً جيدًا، ولا تشير نتائجها إلى أي تحريف منهجي جوهري. لهذا السبب، تمثّل المجاميع المذكورة لمحة إحصائية هادفة لمواقف قطرية مجمعة.
ومن حيث المبدأ، من المستطاع أخذ هذه البيانات الأولية وترجيحها، كما يفعل منظمـو استطلاعـات الـرأي في كثير من الأحيـان، لمطابقة التوزيعات الديمغرافية الشاملة بشكل أدق، أو “تعديل” العينات باستخدام الحصص. ولكن هذه التقنية الأخيرة، تقحم عنصرًا خطيرًا وغير عشوائي في الإجراء، مع احتمال التسبب بتحريف النتائج بشكلٍ غير محدد. وقد يعطي ترجيح العينات أو النتائج بطريقة مصطنعة لمطابقة البيانـات الاحصائيـة انطباعًا خاطئًا بالدقة. ومع ذلك، إذا رغب أحـد بقيـاس النتائج التي توصلت إليها لمقارنتها مع تلك غير المرجحة، سأكون سعيدًا بتقديم ملفات البيانات الأولية كما سبق وذكرت.

أهمية اللقاءات المباشرة
والمقابلات وجهًا لوجه
في الدراسات الاستقصائية العربية، أفضّل إجراء مقابلات شخصية وجهًا لوجه على القيام باستطلاعات عبر الهاتف أو الإنترنت أو تلك الاستبيانات “المناسِبة” التي يتم إجراؤها في الأماكن العامة. فهذه هي الطريقة التي أجريت بها جميع الاستطلاعات المطروحة هنا.
وكما يقول جينغلر عن حقّ، يرتاح الناس عند التحدث مع شخص غريب وجهًا لوجه أكثر من على الهاتف في معظم المجتمعات العربية. وتكون أيضًا معدّلات الرفض لاستطلاعات الهاتف أعلى بكثير، وهو عيب لا يمكن معالجته بشكلٍ كاف بأي تقنية إحصائية. وكذلك الأمر، تشيب استطلاعات الرأي عبر الإنترنت عيوبًا في الاختيار الذاتي، والاختراق الاجتماعي المتفاوت، وضعف الامتثال لضوابط ومعايير الجودة. وفي ما يخص استطلاعات الرأي “المناسِبة”، فهي غير علمية ويجب تحديدها بهذه الصفة. وسيكون من الصواب تعريف مثل هذه الدراسات الاستقصائية على هذا النحو، كما سبق وفعلت في الماضي.

بعض الدروس المستفادة
من التجارب
وبعيدًا عن هذه التفاصيل الفنية الهامة، لدي بعض النصائح الأخرى، التي قد يعرفها زملائي في مجال الاستطلاع.
يجب السعي دومًا إلى طرح الأسئلة بموضوعية، وتوفير سبل مختلفة للمستطلَعين للتعبير عن تصنيفاتهم ومقارناتهم وسط مختلف عناصر الرد. وينبغي سؤال المستطلَعين عن آراءهم حول بلدان عدّة، وليس عن الولايات المتحدة فحسب.
وينبغي منح المستطلَعين فرصة لاختيار أولوياتهم، عوضًا عن فرضها. ويجب التخلص، بقدر ما هو ممكن إنسانيًا، من الآثار البغيضة للتحيز المتوالي، أي طرح سلسلة من الأسئلة التي، في حين تبدو محايدة بحد ذاتها، إلاّ أنها تتخذ اتجاهًا معيّنًا إذا طُرحت بشكل جماعي متسلسل.
ويجب صياغة الأسئلة بأقصى قدر ممكن من التحديد. على سبيل المثال، اسأل عن جماعة “الإخوان المسلمين”، وليس عن “القادة الدينيين” فحسب. اسأل عن “حزب الله”، وليس عن “الميليشيات الطائفية”. اسأل عن المقاطعة العربية لدولة قطر، وليس عن “النزاع الخليجي” فحسب. وبعبارة أخرى، يجب تجنب الأسئلة المبهمة التي ستنتج حتمًا إجابات مبهمة.
أخيرًا، ينبغي إجراء استطلاع على حدة لكل مجتمع عربي، بدلاً من جمعها معًا. إذ يُعتبر وضع رؤية “عربية” بصورة مصطنعة من خلال الجمع بين مصر والأردن وبعض الدول الأخرى من دون العراق والجزائر أو سوريا أو السودان، مثل وضع رؤية “أوروبية” من خلال الجمع بين ألمانيا ولكسمبرغ وسلوفينيا، باستثناء فرنسا وبريطانيا وإيطاليا أو إسبانيا.
وعلاوة على ذلك، في بعض البلدان العربية ذات الاستقطاب الشديد مثل لبنان أو العراق، قد يؤدي الجمع بين العينات الفرعية الطائفية أو العرقية إلى التباسات بدلاً من توضيح المواقف الشعبية.
يجب أن يكون كل بلد بمفرده والعينات الفرعية الداخلية كبيرة بما فيه الكفاية لتكون ذات دلالة إحصائية. وهذا يعني أنه ينبغي أن يكون لكل بلد عينة تبلغ ألف شخص أو أكثر.
إنني أشجع الآخرين على مشاركة تفاصيل إضافية عن استطلاعاتهم لتعزيز شفافية البيانات ومسعانا العلمي المشترك. إذ، لا يزال درب التقدم الذي ينبغي إحرازه طويلًا علم الاستطلاع في الشرق الأوسط.

* ديفيد بولوك هو زميل أقدم في معهد واشنطن يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة