نقلت وسائل الإعلام المختلفة عن السيد حيدر العبادي؛ أنه يستعد لشن حرب شاملة ضد الفساد، بداية العام المقبل (2018) تترافق والقضاء على وجود تنظيم داعش على الأراضي العراقية بنحوٍ كامل. وكل من يعرف شيئاً عن هذا العدو (الفساد) جذوره ونوع القوى وشبكة المصالح الاخطبوطية المحلية والعابرة للحدود الوطنية التي يستند عليها؛ يدرك أن جميع حروبنا السابقة وبما فيها حربنا الأخيرة ضد داعش لا تعدو أن تكون سوى مزحة مقارنة مع هذه الحرب التي يعجز عن إدراك سيناريوهاتها المحتملة حتى الراسخون في مجال التنقيب عن الشفافية والنزاهة. في مجتمع ودولة تسللت شبكات الفساد وتمددت الى تفصيلات شؤونهما الخاصة والعامة، وغالباً ما تحول الى جزء من أثاثهما؛ يصبح الحديث عن الشروع بشن حرب ضد هذا الغول الخرافي (الفساد) أقرب الى التحشيش منه الى التطبيق. صحيح أننا جميعاً تقريبا كعراقيين تنحاز عواطفنا وقلوبنا الى مثل هذه التطلعات المشروعة، لكن غير القليل من أفعالنا وممارساتنا لا تخفي تواطئها مع تجليات هذا الغول في تفصيلات حياتنا وضحالة الوعي والاستقطابات السائدة.
الحرب ضد داعش استقطبت الى جبهتها طيف واسع من القوى المحلية والإقليمية والدولية، على الجبهة المحلية تصدرت قوّات مكافحة الإرهاب البطلة جبهات تلك الحرب مسنودة من قوّات الجيش والشرطة الاتحادية وفصائل المتطوعين والحشد الشعبي وقوات البيشمركة وبقية الفصائل الوطنية، جبهة واسعة حظيت بدعم إقليمي وأممي واسع، أجهزت على نفوذ داعش في كل التراب العراقي. هذا بالنسبة لتلك الحرب، أما الحرب ضد الفساد فأن خارطة التمترس والاصطفافات مبهمة، فلا وجود فيها لما يشبه قوّات مكافحة الإرهاب وملاكاتها الشجاعة والمتخصصة ولا بقية الفصائل المحلية، فضلا عن أن المحاور الإقليمية والدولية لها مصالح ومواقف تختلف كثيراً عما جمعها في الحرب السابقة (ضد داعش)، إذ مافيات الفساد غالباً ما تربطها وشائج وثيقة ودول إقليمية ودولية، مما يجعل من تلك الحرب مهمة شبه مستحيلة، لا سيما وأن المعسكر الآخر (المناهض للفساد) لم تتوضح هويته وملامحه حتى هذه اللحظة. إن أحد أهم شروط النجاح في هذه الحرب كما بقية الحروب؛ يكمن في امتلاك الوعي الواسع والعميق لطبيعة العدو وحجم إمكاناته الفعلية، وعلى ضوء ذلك يمكننا اتخاذ القرارات المسؤولة البعيدة عن التهور والشطط كما حصل مع غالبية الحروب التي شهدتها مضاربنا المنكوبة بوباء القادسيات وأم المعارك وبقية معارك الرسائل الخالدة.
من خلال متابعة مجرى الأحداث في غالبية الجبهات الاقتصادية والسياسية والتشريعية والإعلامية والثقافية وغيرها، يصعب العثور على تلمس أية تحولات جدية أو إشارات على الاستعداد لمثل هذه الحرب الضروس، لا شيء سوى دفق إضافي من التصريحات المتخصصة بدغدغة هذا الحلم المزمن (محاربة الفساد) حيث الكتل والجماعات والأحزاب والشخصيات نفسها واثقة ومطمئنة من دورها ونفوذها في التحولات المرتقبة، ولنا أن نستشرف ما سيكون عليه حال الفساد وأهله إن أصر السيد العبادي بمحاربته بنفس الأدوات والعقليات والمعايير العقيمة التي بسطت هيمنتها على عراق ما بعد “التغيير”، حيث سنتذكر ما قاله جرير يوماً: (زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً/ أبشر بطول سلامة يا مربع)..
جمال جصاني
من لهذه الحرب..؟
التعليقات مغلقة