سلالات لا تعتذر

بعد الفشل الذريع والسريع الذي لحق بمشروع الاستفتاء لإقامة الدولة الكوردستانية المستقلة، الذي أصر على تنفيذه الرئيس المنتهية ولايته السيد مسعود البرزاني في 25/9، وبعد صمت وانزواء لعدة أيام خطيرة عاشها الإقليم وما يطلق عليه بـ “المناطق المتنازع عليها” التي اعادت القوّات الاتحادية انتشارها عليها؛ عاد في كلمة متلفزة ليعلن قراره بعدم التمديد له بمنصب رئيس الإقليم اعتباراً من 1/10/2017 تحت أي ظرف. كلمة تليق بالمنتسبين لنادي “الزعامات المزمنة” وهذا النوع من السلالات المسكونة بسكراب العقائد التي انتهت صلاحيتها منذ زمن بعيد. كل من ما زال يقبض على شيء من العقل والإنصاف، لا يمكن أن يختلف معنا حول شخص المسؤول الأول عما جرى لتجربة الإقليم في الأسابيع الأخيرة، الشخص الذي ضرب بعرض الحائط كل المناشدات المحلية والإقليمية والدولية التي دعته للتريث باتخاذ مثل هذه ً القرارات البعيدة عن الحكمة، وهاهو اليوم ومن دون أدنى شعور بالذنب يصرح بخطابه الأخير بحسرة “لم يقف أحد معنا سوى جبالنا” لكن من المسؤول عن كل هذه العزلة لهذه التجربة الفتية في الإقليم؟ أليست هي غطرستكم وعنجهيتكم وعدم إصغائكم لغير شريحة الحبربش المحيطة ببلاطكم؟ وما الجديد في اكتشافك “الخونة” الذين تتهمهم بتسليم كركوك، وهل مثل هذه الدقلات جديدة عليكم؟ هذه والمزيد من التساؤلات التي ستبقى بعيدة عن مجال اهتماماتكم بوصفكم من “السلالات” المتفضلة على شعوب وقبائل هذه المضارب المنحوسة.
لقد ابتلتنا الأقدار لا في كوردستان وحسب بل في كل تضاريسنا الممتدة من الفاو لزاخو بهذا النوع من السلالات التي لا يحتوي قاموسها على مفردة (الاعتذار وأخواتها)، وكما شاهدنا أحد أبرز ممثليها الحاليين السيد مسعود البرزاني في خطابه الأخير فإنه لم يحمّل نفسه ذرة من المسؤولية عما جرى وحسب بل أصر على أن “الاستفتاء هو الحل الوحيد لحل كافة المشكلات العالقة مع بغداد”، وبعد أن رمى بمسؤولية الهزائم على طائفة الخونة والشياطين من شتى الوظائف والأحجام. وهذا رد فعل طبيعي للمنتسبين لمثل هذه السلالات المسؤولة عن اجتراح المآثر والفتوحات التأريخية فقط. كما أن الخطاب تضمن تحريضاً لما يطلق عليه بالفارسية (جماقداريه) أي حاملي العصي والهراوات لمهاجمة البرلمان وأعضائه “المشاغبين” ومقرات الأحزاب المعارضة لسياساته، لتبرهن على هشاشة تماسك الجبهة الداخلية للإقليم، التي حاول الرئيس المتنحي عبثا تسويق صورة مغايرة عنها.
مثل هذه الزعامات المزمنة نمت وترعرت زمن (الحرب الباردة) ومناخاتها، ما كان لها أن تبقى وتتمدد لولا حالة التفسخ والركود المهيمنة على بلداننا، واغتراب مجتمعاتنا عن هموم عصرها، إذ ما زال الكثير منا مسكوناً بشعارات ويافطات تلك الحقبة وديناصوراتها التاريخية. لقد تعززت السلطة المطلقة لهذه السلالات بعد مرحلة الفوضى التي لم تخلق سوى المزيد من اللصوص وقراصنة المنعطفات التاريخية، الذين استداروا بعربة “التغيير” صوب المسارب الوعرة والأشد فتكاً. إن ما جاء في خطاب السيد مسعود البرزاني الأخير؛ يؤكد بأن مشوار التحولات النوعية في أربيل وبغداد، ما زال طويلاً وعسيراً، وأن هذا النوع من الزعامات المزمنة ما زالت تتوهم نفسها صالحة لكل زمان ومكان، مما يستدعي منا البحث عن السبل الممكنة لإقناعها بالانسحاب طوعاً أو مكرهة، رحمة بما تبقى لنا من أمل للعيش كبقية الأمم.
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة