صباح الجاسم
أسبانيا تَعِدُ ببهاء ازهارها. تساءلت الجدّة حين وجدتها فرصة لأستثمار نقل بعض عُقلات الزهر الخاص والمتسلق لنوع من اوليفيرا ازهار بنفسجية راقت لها أن تري اقرباءها وبعض الأصدقاء نوعاً من جمال ازهار بلاد الأندلس ومحاولة زرعها لتزهر في ربيع بلادها.
وصار احد الأصدقاء المهتمين والمعنيين بالنادر من الشجر والزهر يوضح لها من بلدها العراق مقترحاً طريقة قطع عُقل اغصان النبات وطريقة تعقيمها ولفها بمناديل ورقية شفافة مع ترطيبها ومن ثم ربطها بحلقات مطاط من تلك التي تستعمل في النقود الورقية.
في المطار كانت تخشى منع ما نقلته من بذور ونبت طي حقيبة ملابسها. انتبهت فيما تحلق الطائرة إلى تنفسها المريح، إذْ انحصر جل اهتمامها في اللفافة البيضاء.
مبلغ سعادتها لا يوصف وهي تحدثه عن وضع الأزهار المتسلقة على جدران المنزل في اسبانيا وترسل له بعض الصور! كان يلح ويشدد على تذكيرها بضرورة اقتناص الملائم من العصاريات والبذور التي يمكن اكثارها في حديقة دارها من ثم توزيع جديدها. لشد ما يلوم اولئك الذين يتمتعون بجولات سفرهم فيما يتناسون جلب ما يمكن أن يفيد ويبهج إلى تربة الوطن.
لم تسعها الفرحة حين اعلنت المضيّفة عن وصول المسافرين إلى أرض الوطن !، حرصت أن تستبق خطف حقيبة الملابس قبل غيرها من حقائب الهدايا. في الطريق ساورها قلق اضطرها أن تطلب من السائق التوقف لفحص احدى الحقائب.
فتحت غطاء الحقيبة واعتنت بتعريض لفافة النبات الى الهواء ، وراحت تعبّ إلى رأتيها من هواء الطريق البري.
تزاحمت الأفكار بين عناق الأقرباء والأهل. في البيت افردت حقيبة الملابس وراحت توزع الهدايا، فيما ركنت لفافة الزهر في قدح نظيف معتنية بوضع بعض السكّر داخل ماء القدح حيث استقرت اغصان الزهر بعد ما نزعت عنها الحلقة المطاطية.
في الصباح الباكر حضرت حفيدتها صحبة قطتها . صارتا تلاعبان شعر الجدّة وخديها، في الحال نهضت بارتباك، تفحّصت اللفافة البيضاء ، وبرفق حملتها الى فناء الحديقة، فالعقلات ما تزال محتفظة ببعض الجذور كما تمنّت.
رن جرس الهاتف، ركضت الحفيدة حاملة جهاز الهاتف، الصديقات يسألن للاطمئنان على سلامة الوصول، وكلام العودة للوطن يقطع الأنفاس، حين عاودت الأتصال ثانية، صارت عيناها تتابعان اللفافة البيضاء التي اخفتها بعناية بين حشائش النجيد في الحديقة، اختصرت مكالمتها، وسارعت تتفقد ضالتها.
(سما) الصغيرة تلاحق قطتها اللعوب (نونو)، وعينا الجدّة تلاحقان سراب اللفافة !
لا أثر للأزهار ! ولا اللفافة ! أين الأزهار يا سمّاوي ؟ سما بنت الثلاث سنوات ما عادت تعرف كيف تجيب أمام عينيّ الجدة اللتين ملأتا وجهها، عدا أن تصفّق براحتي كفيّها، فلا تدرك عن أي الأزهار تتساءل الجدة !
استيقظت العائلة وصار الكل يبحث في ركن الحديقة وخارج الدار.. الجيران اُستفزوا! ومن لم ينتبه لوصول الجدّة صار يعانقها ويقبلها.
ذهلت الجدّة بعد البحث من دون جدوى .. حتى القطّة تعرضت لملحّة الجميع في السؤال عن مصير اللفافة والقطّة لا تدري عن أي الأزهار يتحدثون وهي العارفة تماما أنْ لا زهرة واحدة في حديقة الدار!