علوان السلمان
…الشعر(صناعة من النسج.. وجنس من التصوير) على حد تعبير الجاحظ ..
والوجدان الشعري تاريخياً تستفزه الاضاءة السريعة .. فكرية كانت او وجدانية منحصرة في بيت شعري او بيتين من الشعر مكتملين مبنى ومعنى.. وهذا يؤكد اصالة النص القصير جداً (الومضة الشعرية) التي هي قصيدة النضج والدهشة المكتنزة بلحظتها الجمالية والمكتفية بذاتها ..المجسدة لموقفها ..المتميزة بضوابطها الفنية والبنيوية تكثيفاً وتركيزاً وتعبيراً عن لحظة شعورية خالقة لحقلها الدلالي والايحائي (انها لمحة عابرة ودفقة وجدانية ولحن هارب وامنية قصيرة تخلق تعبيرها المكثف..المركز الذي يستفز اللحظة الشعرية ويحيط بها ) على حد تعبير الناقد خليفة محمد التليسي في كتابه (قصيدة البيت الواحد) .. كونها شكلاً من اشكال الحداثة التي تحالفت والتحولات الفكرية والفنية والمؤثرات الخارجية للتعبير عن مشهد بلحظته الوامضة .. المتسم بخصوصيته التركيبية ووحدته العضوية وتفرده في الايقاع والصورة واللغة الرامزة والفكرة المنبثقة من بين الفاظه وجمله ..
و(الق المرايا) المجموعة الشعرية التي نسجت عوالمها النصية التي طغت على بنيتها القصر الذي يجرنا الى قصيدة البيت الواحد المتجذرة تاريخيا وسط عوالم القصيدة العربية .. انامل منتجها الشاعر فرحان صبري الربيعي واسهمت دار الجواهري على نشرها وانتشارها / 2017 ..كونها تقوم على التقنيات البلاغية المبنية على اساس ثنائي يجمع ما بين صورتين : واقعية وتخييلية في تقابل هندسي دقيق..
ولي من حبك فرح وعيد وقلب طائر غرد سعيد
الى ايامك العبقات يهفو وفي اعماقه لفمي نشيد
تغنى قبلي الشعراء فيك وتاق اليك مشتاق بعيد
فيا ام العواصم ليت شعري متى بك يرتقي عهد جديد / ص 21 – ص22
فالنص بدفقه الانساني يحاكي الطبيعة والرمز الموحي (بغداد) الذي يخلق القدرة التخييلية التي تمد دائرة الخطاب الشعري فتتسع بأتساع فضاء الصورة وابعادها والتي تقوم على تقابل صورتين (مشبه ومشبه به) بلغة مكثفة تحمل شحنة انفعالية ..
وطني يسائلني الغرباء عنه
هو العراق ولا وطن اعز منه
وما نفع المعزة – قلت – لما
يداهمه الخراب ولم تصنه
فلو لم يعتد – معاذ الله – عزاً
فلا انا بالوجود ولا انت ولا هو / ص 12
فالنص لحظة جمالية مكثفة بذاتها تجسد موقفاً بأعتماد اسلوب السرد المركز على الفكرة المختزلة في لغتها .. مع وحدة الموضوع وكثافته.. وبالقدرة على اثارة التأمل والدهشة .. فضلاً عن حركيته وتجاوزه الزمكانية مع سرعة ايقاعية وقدرة ايحائية واكتناز طاقته الدلالية..
فالشاعر في نصه هذا يحاول استنطاق اللحظات الشعورية عبر نسق لغوي قادر على توليد المعاني من اجل توسيع الفضاء الدلالي للجملة الشعرية ..
ما قلت قد نطقت به الاقدار (باقٍ و اعمار الطغاة قصار)
لي اينما حلت رفاتك راية خفاقة بسموها ومنار
ابا فرات وللفؤاد محبة لك ما حييتُ وقبلة ومزارُ
لي نبع فكرك منهل متدفق عذب ..فرات..غادق..مدرارُ
انفض ترابك فالايام ما برحت غبراء يشكو قطعها الاحرار
وانطق وفجر ثورة بنفوسنا برحيل نطقك غادر الثوار /ص62
فالشاعر في نصه يحشد الافكار وفقاً لطبيعة التداعي الذي يعلن عن اللحظة الشعرية المحققة لفعلها التأثيري المستفز للذات الاخرى (المستهلك / المتلقي) .. من خلال عنصر الحركة الذي يعد احد معطيات المستوى الحسي للغة التي اسهمت في البناء الدرامي لشعريته .. فضلاً عن ان الشاعر اعتمد التضمين في السياق النصي كي يضفي على معانيه ايحاء و قوة.. فهو يترجم احاسيسه وانفعالاته بنسج شعري يحقق وظيفته من خلال الفكرة والعمل داخل اللغة عن طريق خلق علاقات بين المفردات بوحدة متميزة بعالمها المتناسق جمالياً مع دقة تعبيرية بألفاظ موحية ودلالات مكثفة بتوظيف تقانات فنية محركة للنص كالرمز السمة الاسلوبية التي تسهم في الارتقاء بشعريته واتساع مساحة دلالته..والتنقيط(النص الصامت)الذي يستدعي المستهلك(المتلقي)للاسهام في بناء النص..
وبذلك قدم الشاعر نصوصاً تلبس ثوب العمود الذي يميل الى التحديث في اللغة والصورة والرؤية واعتماد ايقاع الشعر مع وحدة بنائه وتكوين بصري وموسيقي بتوظيف الحواس في خلق نصه وجعل حيثيات اللغة هي اصل الدلالة اللغوية ..