محمد عواد
بعد تردد لم يدم طويلا، ترجم هزيمته، بإنزال حقيبته القديمة، ليضعها مفتوحة الفاه، ويدس بها غربة وطنه ،وبعض ملابسه الرثة التي لامست جسده الدبق زمناً طويلا، والدته اتخذت من إحدى زوايا الغرفة مكاناً لتضيئه بدموعها الساخنة على فراقه.
يرتفع الحزن داخله كغيمة خاوية من حبات المطر، أسند ظهره الى رفوف مكتبته التي علاها الغبار، كانت الحروف تتوجع على لسانه، خائفة من البوح أمام نحيب والدته، اخذت أحلامه تهاجر إلى غابة من النور، بعد أن تحولت شراعاً يقذف به إلى المجهول، ليس لديه ما يخفيه على أمه بعد الآن، بدأت الكلمات تتباطأ على شفاهه، صوته مسكون بالوحشة «أماه لقد أصبحنا كالحجيج بأرض غير مقدسة « هكذا قالها بعد أن كفكف لوعته أمام جسد أمه الموشوم، كقصبة هور ترتجف بتناغم مع علو صوت نشيجها.
أماه، اتوسل إليك، استحلفك بروح أبي الذي تركت الشمس والمسحاة شقوقاً بوجهه وقدميه لم تندمل حتى مماته، لا تطلبي مني البقاء، ماذا جنيت، ماذا جنى أخي سوى رصاصة على ساتر ترابي، لتحصلي بعدها على قطعة قماش موشومة بثلاث نجوم فوق تابوت.
أخذ صوته يكسر صمت المكان ويعلو مع دخان سجارته المحتضرة، اطبق حقيبته، يداه ترتجفان لم تقو على حملها، لم يعانق امه، نظر اليها باعتذار، وقبل أن يغلق باب البيت، صاح بصوت مكسور تملأه الهزيمة « أذا لم ارجع، ضعي وشاحاً أسود على صورتي مثل هذه « مشيراً الى صورة شقيقه الشهيد.