رائِحة البُرتُقال

حسين نهابة

نعم أفتقِدُكِ،
أبٌ يتهدجُ بإسم ابنتهُ الغائبة
أبٌ تبخرت أبُوتهُ حين غادرهُ الصغار،
صاروا في غفلةٍ منه كبارا،
رحلوا عنهُ
تارِكيه يتعكزُ صُورِهِم على الجُدران.
نعم إني أفتقدُكِ
مثل أم توظب حقيبة أبنتها المدرسية
وهي تعرِفُ أن ليس في الدارِ منها
غير هذه البقايا الصغيرة.

إني أفتقدُكِ
افتقدُني فيكِ
اين ولّى ذاك العاشِقُ مِنّي،
ذاك الفلاح الذي كان يزرعُ باسمك
كل يومٍ فسيلة؟
من أحرق النخل بأرضهِ؟
من نفاهُ الى هذه الجزيرة
يتوسدُ وجهكِ في ليلِ غُربتهِ
ويلثُم ثغركِ في ملحِ تُربتها؟

نعم إني أفتقدُكِ
ايتُها الغائمة في حقلِ الوجع
أفتقدُ قهوتي المُندلقة على الصباح
المُعلّقُ على طرفِ فُستانكِ الصيفي،
أفتقدُ النوارِس الكسلى،
تسجي قيلولتها
بين أجفانكِ عند الظهيرة،
أفتقدُ رائِحة البُرتُقال العالقة
في يديكِ
تفضحُ غاراتكِ الصغيرة
على بساتيني.

أرفعُ يداً طالما مددتُها في غيابكِ
ولوّحتُ بها للسراب
علّكِ تُبصرين على البُعد،
ذُبولي
فتعودين.
وجهكِ ما زال هنا
ثابتاً،
يهابهُ النسيان
ما زِلتُ أقلّبُ دفاتِر الفجرِ
باحثاً عنكِ.

ما زِلتُ أنشُ عن شجرةِ البرتُقال،
براعِمها العابرات
وأكتُب على ثمارِها اسمك
كي تظلّ لكِ وحدكِ،
ما فتئتُ أرشو الموج
كي يحدّثني عنكِ
فيهدأ روع النوارِسِ المُنتظِرة
على الشطآن،

ما زِلتُ أظللُ سنيني
بأماني يانع الحضور.
عودي قبل أن يأكُلني الانتظار
وتعبث بي ريحُ الهذيان.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة