الاحتجاج كتابة.. سينما أوروبا الشرقية الجميلة

الأم المخيفة Scary Mother
كاظم مرشد السلوم

ما هو الامل والحلم الذي ترتجيه الام من تربية أولادها والاعتناء بأسرتها ، ما الذي تتوقعه بعد ذهاب الجمال والنشاط وتحولها الى آلة تعمل في خدمة العائلة ، ماذا يمكن ان تفعل أزاء تجاهل واهمال الجميع لها ، هذه الأسئلة تطرحها المخرجة الشابة انا اوروشادزه في فلمها الطويل الأول الحائز على الجائزة الكبرى لمهرجان سرايفيو السينمائي وجائزة العمل الأول في مهرجان لوكارنو .

العنوان
الام المخيفة ، عنوان مثير ، مغاير وصادم ، كون الفكرة العامة عن الام أي أم ، انها عطوفة وحنونة ومضحية ، فكيف يمكن ان تكون مخيفة ، العنوان اذن مدخل مهم لاكتشاف ثيمة الفلم وتفكيك محتواه .

الحكاية
مانانا أم من الطبقة الجورجية المتوسطة ، تثابر من اجل تربية أولادها والاعتناء بأسرتها بأفضل ما تستطيع ، هذه المثابرة تصطدم بالتجاهل واللامبالاة من قبل افراد اسرتها ، ولا تمتلك ردا ، او تستطيع عتباً ، فهي شخصية هادئة ، تبدو كمن تعودت السكوت والخنوع ، لكن الى متى يمكن ان يستمر ذلك ، خصوصاً وان لكل شخص طاقة تحمل تنفد في وقت ما .
تعود مانانا الى موهبة وهواية قديمة تملكها وهي الكتابة ، لكنها تكتب تحت تأثير الوضع النفسي الذي تعيش ، تكتب ما يشبه الكوابيس ، وهي الكوابيس الحقيقية التي تعيشها ، محولة خوفها وارتيابها الى رواية اباحية تفضح الكثير من اسرار العائلة وتصورتها عنهم ، الامر الذي يسبب للعائلة صدمة كبيرة ، يحرقون على اثرها ما كتبته ، بعد ان تقرأ لهم بعضاً من روايتها ، ولتبدأ هي مرحلة جديدة من حياتها ، مرحلة صادمة للجميع بما فيهم ابيها الذي دائما ما كان معجبا بكتابتها .

الاشتغال
كتابة سيناريو لمثل هكذا فلم يتطلب اطلاعاً ومعرفة بعلم النفس ومكنونات النفس البشرية ، والتفاوت الحاصل بين شخص وشخص اخر فيما لو مر بمثل هكذا ظرف ، ويخضع لإسقاطات وعوامل كثيرة ،منها الجانب الاجتماعي ، والثقافي ، والديني والأيديولوجي لهذا الشخص او ذاك ، وبالتالي نشاهد ان الكثير من النساء اللواتي يمرن بهذا الظرف ، يخضعن له ولا يدافعن عن انفسهن ، تبعاً لهذه العوامل ، فيما يقف البعض منهن بقوة ، خصوصاً النساء اللواتي يتوفرن على استقلال اقتصادي ، ويبدو ان أنا اور شادزه قد توفرت على المعرفة في هذا الجانب لذلك كتبت سيناريو يتماشى والحالة التي تناولتها ، وتبعاً لسوداوية الحكاية ، تشتغل أنا اور شادزه، على رسم مشاهد يطغى عليها اللون الرمادي ، وتعزز ذلك بزوايا وكوادر ضيقة ، تعمق إحساس المشاهد بالحالة النفسية التي تعيشها الام مانانا ، معظم الوقت الذي اختارته للتصوير هو شتاء جورجيا البارد ، العمارة السكنية التي تسكن فيها مانانا ، قديمة ويتطلب الوصول اليها اجتياز جسر حديدي ، يعبر عن طول المسافة وبعدها بين حلم مانانا وواقعها .
صاحبة المكتبة الذي ينتصر ل مانانا وضع ليكون حلقة وصل غير متماسكة بينها وبين عائلتها وهو الحالم بأن يمتلك دار نشر خاصة به ، فتجد مانانا فيه الملاذ الامن للهرب من واقعها ، فشخص مثله لا يستطيع مقاومة الرفض الذي تواجه.

ماذا يحدث لو
هذا السؤال المهم الذي يمكن ان يطبق على معظم الأفلام السينمائية ، يطرحه الفلم هنا ، ماذا يحدث لو ان أم وربة بيت افنت شبابها في خدمة عائلتها والنتيجة اهمال وتجاهل ، ماذا يحدث لو ان هذه الام تمردت على واقعها ، هل ستتسبب بتفكك عائلتها ، ماذا يحدث لو ان هذه الام وبسبب كل ذلك وصلت الى حالة من الجنون لا يمكن معالجتها ، ماذا يحدث لو ان دور النشر تبنت الرواية التي كتبتها والناتجة عن معاناتها وفضحت الكثير من اسرار عائلتها والمحيطين بها ؟
هذه الأسئلة طرحها الفلم ضمن تسلسل خطه الدرامي ، تاركاً المشاهد يفكر فيها ويجيب عنها ، من خلال تأويل النص المرئي للفلم ، ولكل تفسيره وتأويله الخاضع للأسقاط لثقافي والنفسي والمجتمعي الخاص به .
الام المخيفة فلم احتجاج نسوي على السائد من العلاقات والرتابة الناتجة عنها ، لا يمتلك المشاهد الا ان يتعاطف مع بطلته ، مفكراً في حال العديد من الأمهات اللواتي يعانين من المشكلة نفسها.
واحد من محاسن المهرجانات السينمائية انها توفر الفرصة لمشاهدة سينما مختلفة ، سينما اوروبا الشرقية وافريقيا واسيا ، حيث التجارب السينمائية الرائعة ، هذه الأفلام قد لا تتاح الفرصة لمشاهدتها ثانية الا ما ندر.

الام المخيفة
سيناريو وإخراج انا اوروشاوزة
تمثيل – ناتا مورفانيدزه ، ديمتري تايشفيلي ، راماز ازسيلياني
انتاج – لاشا خالفاشي
تصوير – منديا اسادزه
موسيقى – نيكا باسوري

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة