آن جاكوبس
كشف تقرير نُشر عام 2015 أنه إلى جانب شبكة واسعة من النساء المحليات، سافرت 550 امرأة غربية إلى سوريا والعراق وانضممن إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” (“داعش”). وكشفت دراسة منفصلة نُشرت عام 2016 أن النساء شكلن ما متوسطه 17 في المائة من 4294 مقاتل أجنبي قادم من 11 دولة أوروبية، أي حوالي ألف امرأة، ولا يشمل ذلك القادمات من وسط وجنوب غرب آسيا وأفريقيا والخليج.
قد تبدو هذه النسبة صغيرة نسبيًا، ولكنها ليست ضئيلة. ومع انطلاق برامج مكافحة التطرف، ينبغي إيلاء اهتمام خاص للنساء اللاتي يعبرن الحدود عودةً إلى بلادهن. تحتل المرأة مواقعًا متنوعة في تنظيم “الدولة الإسلامية”، كما تتجاوز في نواحٍ عدة الأدوار الهامشية التي حددها لها الدين. لذا فإنه من الخطورة والسذاجة أن يُستخف بمشاركتها ودورها كعضو نشط في تنظيم إرهابي مستمر. وفي ظل هذه الخلفية، ينبغي إلقاء نظرة عامة على تحول صورة المرأة داخل التنظيم خلال السنوات القليلة الماضية من بروزه الإعلامي من أجل فهم التهديدات المختلفة التي تشكلها ووضع استراتيجيات مناسبة للرد.
ولقد تطورت طبيعة مشاركة المرأة في عمليات التنظيم جنبًا إلى جنب مع تطور مسار التنظيم نفسه. ويتواصل هذا التطور اليوم حيث يضطر التنظيم إلى إعادة تشكيل نفسه في أعقاب الهزائم الجغرافية. فقبل عام 2015، تبنى التنظيم موقفًا واضحًا ضد سفر النساء إلى الخلافة الناشئة، معللًا ذلك بأن الحرب لا تناسب النساء. وآثر بدلًا من ذلك أن تبقى النساء المتعاطفات معه في مجتمعاتهن من أجل جمع التبرعات ونشر الدعاية وتربية الجيل القادم من المقاتلين. وفي ذلك الوقت، اشتهر التنظيم بارتكاب جرائم العنف الجنساني.
وفي الوقت الذي حقق فيه التنظيم مكاسب إقليمية غير مسبوقة في شرق سوريا وشمال غرب العراق، بدا أنه استوعب أهمية المرأة في الحفاظ على دولة عاملة وتسهيل إنجاب مواطنيها. وقد أدى استيلاء التنظيم على مدينة الرقة السورية عام 2013 بشكل خاص إلى تحفيز التحول في دعايته عبر الانترنت، فلم يقتصر تجنيد النساء على الأدوار الداعمة التقليدية كالزوجات والأمهات فحسب (والتي لا تزال أدوارهن الرئيسية)، بل أصبحت هناك أيضًا دعوات ليخدمن كطبيبات وممرضات ومعلمات وموظفات. ومن الجدير بالذكر أن المرأة قد أعطيت في نهاية المطاف مسؤولية رصد التزام النساء الأخريات، وهو ما اتضح في إنشاء لواء شرطة الخنساء النسائي. هذا التكيف مع الظروف المتغيرة انعكس لاحقًا في العدد السابع من مجلة “دابق” الخاصة بالدعاية للتنظيم عبر الانترنت، والتي خصصت قسمًا جديدًا يخاطب المرأة بشكل مباشر.
وقد ازداد عدد النساء اللاتي سافرن وحدهن أو بصحبة مرافقات إلى سوريا للانضمام إلى التنظيم الذي كان يحقق مكاسب إقليمية بمعدل سريع في ذلك الوقت. هذا التغيير دل على أن الارتباط الأيديولوجي بالتنظيم أصبح حافزًا هامًا، ولم يعد الأمر يقتصر على الأسباب الشخصية أو العائلية. وعلى الرغم من تزويج النساء سريعًا بمجرد وصولهن إلى مقر الخلافة، إلا أن ذلك يعتبر وسيلة الانضمام إلى التنظيم وليس الغاية.
وفي أغلب الأحيان، يتم تضخيم مفهوم “عروس الجهاد” بشكل خاطئ في الإعلام الغربي، وهذا الاعتقاد الخاطئ خطير لعدة أسباب، ولكن خاصة لأنه مهين بطبعه، فهو يسيء الفهم ويفرط في تبسيط انجذاب النساء إلى التنظيم على أنه نابع من الارتباط بشخص أو علاقة ما وليس من فكرة أو فرصة. وعلاوة على ذلك، فإن التركيز على جانب الزواج في الحياة داخل دولة الخلافة يعني النظر إلى الانضمام إلى صفوفها من حيث السبب وراء رغبة الرجال في انضمام النساء، وليس السبب وراء اختيار النساء أنفسهن. ومن أجل تطبيق الإجراءات المناسبة لمكافحة الإرهاب، ينبغي على الإعلام ومسؤولي الحكومات في الغرب أن يعترفوا بأن النساء غالبًا ما يشاركن بشكل فعال في عمليات التنظيم، وأنهن لسن مجرد فتيات ضعفن أمام إغراء الرومانسية.
ومع استمرار انهيار الخلافة، وخاصة بعد استعادة السيطرة على مدينة الموصل العراقية مؤخرًا، ينبغي دراسة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالنساء المنتميات للتنظيم بشكل متواصل، باعتبارهن العدسة الرئيسية التي يُنظر من خلالها إلى واقع التنظيم الغامض. فعلى سبيل المثال، من المرجح أن حسابات شهيرة مثل “عصفور الجنة” أو “أم معاوية”، والتي اكتسبت شعبيتها من إبداء النصائح وسرد الحكايات للنساء المهتمات بالهجرة إلى دولة الخلافة، ستغير خطابها من مجرد سرد الحكايات إلى إعطاء الإرشادات.
ونظرًا لتضاؤل فرص الهجرة، فمن المحتمل أن هذه الحسابات ستدعم بشدة الهجمات الإرهابية في بلدان متابعيها. فبالفعل سُجلت حالات مثل البريطانية خديجة دير التي أعلنت عن رغبتها في المشاركة في أعمال القتل، كذبح الصحفي جيمس فولي، والمدونة الشهيرة أم ليث التي دعت عبر مواقع “تويتر” و”تمبلر” و”آسك إف إم” الشباب المسلمين الذين “لا يستطيعون الوصول إلى ساحة المعركة” إلى “جلب ساحة المعركة إلى أنفسهم”، وتشفين مالك التي وصلت إلى حد وصف هجوم سان برنادينو عام 2015 كأحد أهداف تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وبعيدًا عن رؤية التنظيم لدور المرأة، فمن المهم أيضًأ فهم رؤية هؤلاء النساء لأنفسهن، مما يعد ضروريًا لتطوير نهج شامل لمكافحة التطرف العنيف، وخاصة الهجمات الفردية. وتشكل النساء جزءًا لا يتجزأ من جهاز التنظيم على الرغم من تصرفاته تجاههن والتي تنطوي على مفارقة تاريخية. وهكذا فإنه من الضروري فهم سبب انجذاب النساء إلى التنظيم بشكل أفضل، وخاصة أنه من المرجح أن تستمر الاتهامات المتبادلة التي دفعتهن إلى الانضمام إليه منذ البدء بعد عودتهن إلى بلادهن.
* آن جاكوبس هي طالبة في جامعة كولومبيا للشؤون الدولية والعامة مع تركيز في السياسة الأمنية الدولية.