الكراهية القومية، منحرف شعوري وسلوكي وفكري، من منحرفات ثقافة الكراهية، حالها حال الكراهية الدينية والطائفية والجنسية والعقيدية، وهي تضرب المجتمعات، متعددة القوميات، مثل تركيا. العراق. يوغسلافيا السابقة.. والمجتمعات التي تحارب بعضها (اليونان-تركيا) من خلال دولها القومية، والمجتمعات التي ترتد عن التسامح والتعايش والتنازلات المقابلة.
وقد تتمخض الكراهيات القومية عن مؤسسات على شكل احزاب. تنظيمات.اجتماعية. مليشيات. فرق دعاية وتجييش، تتولى تنظيم المعارك والحروب ضد القومية الاخرى وتغذية أوارها، واطلاق غرائز ازدراء الاخر، قدما حتى تدميره وكسر شوكته.
وفي علوم السياسية تنتشر الكراهية القومية في ظروف تاريخية معينة بين الامم الكبرى والصغرى في الدولة الواحدة على حد سواء (العرب والكورد في الدولة العراقية، مثلا) وتأخذ طابعا شوفينيا (الاستعلاء. الاسترقاق. التنكر لحقوق الآخر. الصهر..) لدى اتباع الامة الكبرى، كما تاخذ منحى عنصريا معبرا عنه بضيق الافق القومي والانعزال والانفصال والريبة وانعدام الاستعداد للتعايش لدى ابناء الامة الصغرى.
وتندلع المخاشنات القومية في البداية على يد السياسيين والنخب الطامحة بالسلطة والاستئثار بالقرار المصيري، ثم تجر معها الجمهور بعد تخويفه من الاخر وتجريده من التوافقية المجتمعية واحترام خصوصيات الاخر، ودائما ما يُلقى اللوم على رموز في الجانب الآخر، وتجري عمليات تبشيع لصورته ونواياه، ويتعرض الجمهور غير المتحمس للكراهية القومية الى ارهاب المعلومات الملفقة او الناقصة او الكيدية بحيث لا يجد مفرا من الانخراط في احتفالات الكراهية، حتى وإن لم يكن مقتنعا بموجباتها ودواعيها.
اقول ايضا، ان المعنيين بهذا النوع من الظاهرات الكارثية التي تضرب المجتمعات، والراغبين في الكتاابة او البحث فيها، او الذين تلتبس عليهم اشكال ومعاني واخطار الكراهية القومية، سيجدون هذه الايام على واجهات الاعلام والكتابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنافذ مقالات الرأي ومنديات السياسة والدعاية وفرة من المواد والاراء التطبيقية التي تحض على الكراهية القومية، وهي تنعى فكرة التعايش، وتبطل عناصر القوة في الشراكة بين الامم والقوميات، وتستهين باحكام عصر التحولات والعلم وحقوق الانسان التي تقرب بين الامم والشعوب والقوميات، وتقدم صورة مغشوشة لمستقبل من دون الآخر، او لمستقبل لا حاجة فيه الى شقيق لم تلده أمك.
في هذه الفاصلة اتحدث عن العراق الفيدرالي.
******
محمد الماغوط:
«ما من قوة على الارض ترغمني على ان اكره ما لا أكرهه».
عبدالمنعم الأعسم