بين العلم والخرافة

العديد منا قرأ قصة لنجيب محفوظ تدور حول اتفاق محتالين على دفن حمار في إحدى القرى المصرية وبناء دار صغيرة عليه والادعاء بأنه مزار،وأخذ الناس يتوافدون ويضعون النذور،وأختلف المحتالان يوما في أثناء تقسيم المال فقام أحدهما بالقسم بروح المرحوم صاحب القبر بأنه على حق،فضحك صاحبه وقال (احنه دافنينه سوا)!..

تذكرت هذه القصة وأنا أجد حشداً كبيراً منذ ساعات الصباح الاولى يتجمع في مكان قريب من ساحة ميسلون بانتظار مجيء الطبيب،وسألت عن الموضوع فقيل لي أن طبيباً عبقرياً قد جرى اكتشافه يعالج جميع الامراض ويخرج الحصى من الكلى بمجرد اللمس،وهو يبرئ المرضى من السرطان و(النشلة)في آن واحد!وجعلني الفضول أدخل في التفاصيل فعلمت بأن الطبيب المذكور يستقبل مرضاه في هذه العيادة من الفجر حتى الظهر،وآخرين في عيادة أخرى من الظهر حتى المساء و يبلغ عدد الذين يداويهم بالنظر أو اللمس أو الحديث من دون فحص أو أدوية المئات يوميا وأكثرهم من المرضى اليائسين من وصفات الاطباء الآخرين..وبعد أيام قامت جهات رسمية باغلاق عيادتيه ولا أدري إذا ما حوكم بتهمة الدجل والكذب على الناس؟

وهذه الحالة ليست الاولى التي أشاهدها في حياتي حتى في مجال غير الطب،ففي بداية الستينات ازدحمت الجموع أمام أمتار قليلة لمبنى صغير ظهر في أثناء حفريات تقوم بها أمانة العاصمة في شارع الرشيد قرب ستوديو بابل وأرشاك ،وسرت الشائعات بأن مرقدا لولي قد اكتشف هناك فتدفق الناس وسدت الطرقات وارتفعت الاعلام الخضر واصطبغت الجدران بالحناء..ولا أدري مصير (الاكتشاف) المذهل الآن…وتكررت الحالة نفسها خلف مستشفى الجملة العصبية قرب ساحة الطيران وبات منظر الناس الذاهبين وهم يحملون (متاع)الطعام مع الهدايا مألوفاً لمن يمر بتلك المنطقة.إن الايمان حالة مطلوبة لدى الانسان،وعلينا التمسك بالقيم والمبادئ العليا ونحترم من له عقائد حتى لو اختلفنا معه،ولكن الخرافة هي نقيض الايمان،فهي تقوم على الدجل والكذب على البسطاء واستغلالهم وابتزازهم للحصول على الاموال الحرام،لذلك فأننا نجد أن تقاطعاً كبيراً موجوداً بين الثقافة والجهل،فلا تجد متعلماً أو مثقفاً يمكن أن يلجأ الى هذه الوسائل أو يؤمن بها،في حين أن البسطاء والجهلة هم الذين (يرتادون)مثل هذه الاماكن (المفتعلة ) والقصص الخرافية التي تثار (للترويج)عن مكان ما أو شخصية وهمية جرى اكتشافها مؤخراً.

إننا لا نطالب الجهات الرسمية باتخاذ إجراءات ازاء هذه الحالات،بل نعتقد أن التنوير والثقافة والابتعاد عن تشجيع الخرافات والقصص التي لا صحة لها والتي وجدت لها مكاناً في بعض الفضائيات ،هو الحل الامثل.

كتبت ذلك وأنا خائف من أن (يشوّر) بي أحد الذين قصدتهم أوينتقم مني أحد المستفيدين من هذا الدجل.

وكنت كلما أرى جموعاً تتجه الى مزار وهمي أردد مع عبد الوهاب:مسافر زاده الخيال.

أمير الحلو

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة