خيارات التعيين !

في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته ، كانت الحكومة تتبع نظاماً مركزياً لتوزيع الخريجين ، فما ان يتخرج الطالب من الجامعة حتى يتم تعيينه في احدى مؤسسات الدولة وبحسب اختصاصه طبعا .. وكانت هذه الآلية تجري على وفق نظام دقيق يقوم على اساس التنسيق بين الوزارات والجهات المعنية ، فلم يكن المتخرج يحمل هم التفكير في البحث عن وظيفة .
ولكن مع اندلاع الحرب العراقية الايرانية وبعدها ظروف الحصار الاقتصادي توقفت تلك الآلية مع وجود عزوف كبير عن الوظيفة الحكومية بسبب محدودية الراتب الذي لم يكن ينسجم ومتطلبات الحياة الباهظة جدا.
ما قادني إلى الحديث عن هذا الموضوع هو الفوضى العارمة التي تضرب سوق العمل في العراق مع وجود من يدعو اليوم إلى العودة إلى نظام التعيين اللامركزي لكي يضمن المتخرجون من الجامعات فرصتهم في الحصول على درجة وظيفية بدلا من حالة التيه التي يعاني منها هؤلاء الخريجون .. وفي الحقيقة ان التفكير بالعودة إلى تلك الآلية لم يعد امراً هيناً لأسباب منطقية من بينها مثلا ، ان عدد الجامعات قبل ثلاثين عاما لم يكن كما هو الآن ، كما ان عدد سكان العراق كان دون العشرين مليون نسمة ، وبالتالي فان عملية التعيين المركزي كانت سهلة إلى حد ما ، مع وجود درجة عالية من التنسيق بين الجهات ذات العلاقة .. وإذا ما اردنا المقارنة مع واقع ما بعد 2003 فأننا سنجد اختلافا كبيرا ، فعدد الجامعات الحكومية وصل اليوم إلى 35 جامعة يقابلها اكثر من 52 جامعة وكلية اهلية ينخرط في هذه الجامعات بنوعيها الحكومي والأهلي اكثر من 600 الف طالب وطالبة في جميع المراحل الدراسية ، ويتخرج من الجامعات الحكومية اكثر من 80 الف طالب سنويا والعدد نفسه يتخرجون من الجامعات الاهلية ومعنى هذا ان عدد المتخرجين سنويا يتراوح بين 150 إلى 200 الف خريج ، مع استمرار التوسع الافقي في التعليم العالي المتمثل بفتح الكليات الاهلية واستحداث اقسام جديدة .. وبالتأكيد ان هذه الزيادة في اعداد الطلبة الخريجين ناتجة عن زيادة عدد السكان الذي تضاعف عما كان عليه في عام 1975 ..
وفي ضوء هذا الواقع المرتبك ومع ارتفاع نسبة النشطين اقتصاديا إلى اكثر من 58% من مجموع سكان العراق اغلبهم من شريحة الشباب ، بات لزاما البحث عن حلول ومعالجات منطقية تقوم على اساس احداث حالة من الموائمة الايجابية بين مخرجات التعليم العالي وحاجة سوق العمل إلى هذه المخرجات من خلال وضع خطة بعيدة المدى ، ولعل قانون العمل الجديد سيمثل احد المسارات المهمة في هذه الخطة ، فنحن نحتاج حقيقية إلى مشاركة القطاع الخاص في رسم مثل هذه السياسات بعد ان تتوافر الضمانات المطلوبة للعاملين فيه وبالتالي زوال الفوارق بين العاملين في القطاع العام والقطاع الخاص وفي مقدمتها عدم وجود ضمانات مناسبة لموظفي القطاع الخاص ، وفي المقابل يمكن التفكير مبدئيا في العودة إلى التعيين المركزي ولكن على وفق آليات تنسجم والواقع الاقتصادي والتنموي للبلد وهنا يكون الخريج مخيرا بين العمل في احد القطاعين وبحسب ما يناسبه.
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة