طريق الموت السريع

لم يمر ذلك اليوم كما اعتدنا دائماً في طريق العودة الى منازلنا بعد نهاية الدوام الرسمي، من خلال المركبات الخاصة بنقل موظفي الهيئة، والتي تنقلنا عبر خط محمد القاسم (السريع) الى ساحة النهضة ومنها الى منطقة شارع فلسطين؛ عندما ظهر ومن Hمام السيارات المسرعة والموازية لنا ثلاثة أشخاص (عرفنا لاحقاً أنها مكونة من الأم وابنها وابنتها التي لن تكمل السابعة عشر من عمرها أبداً) حاول السائق دفع سيارته بعيدا عنهم لكن الأقدار وقصر المسافة وارتباك الضحية كانت جميعها قد رسمت قدراً حزيناً وموجعاً. لم تجد نفعاً محاولات إسعاف الضحية ونقلها الى مستشفى الكندي إذ فارقت الحياة تاركة خلفها كما الكثير من شباب هذا الوطن كل ماهو جميل وواعد من الآمال والأحلام.
بعد ذلك عرفنا ومن خلال العاملين في المستشفى والمنتسبين لمركز الشرطة المعني بذلك الحادث، أن المنطقة نفسها قد شهدت العديد من حوادث الدهس المميتة، والتي تستدعي من الجهات المعنية ولا سيما إدارة المرور العامة اتخاذ تدابير فورية، تضع حدا لمثل تلك الحوادث المأساوية، وهي تدابير لا تحتاج الى جهود وتخصيصات كبيرة مثل (العناية بخطوط وجسور عبور المشاة المنسية والمتهرئة، وإصلاح الأسيجة الفاصلة على جنبات ذلك الطريق السريع). إن التقارير والمعطيات تشير الى أرقام كبيرة للخسائر البشرية والمادية في هذا المجال. ووفقاً لما صرّح به الناطق الرسمي لوزارة التخطيط السيد عبد الزهرة الهنداوي فأن (خطورة حوادث المرور تضاهي عمليات الإرهاب الحالية) وهذا مؤشر واضح على الخلل والتقصير الشديدين في هذا الميدان، والذي يدعونا جميعاً كإعلاميين ومؤسسات حكومية وشعبية؛ الى توجيه الاهتمام اللازم لمثل هذه الملفات المنسية، كي نقلص قليلا من جبهات الموت المجاني المتربصة بنا جميعاً.
مثل هذه الحوادث المؤلمة وغيرها الكثير، تعيدنا الى أساس التحديات التي تواجهنا، والمتمحورة حول قيمة الإنسان (حياته وحقوقه) والتي هزمنا فيها شر هزيمة، زمن النظام المباد وبعده. لقد انحدرت قيمة الرأسمال الأثمن (الإنسان) الذي أدركته الأمم الحرة، الى الحضيض في مضاربنا المهووسة بهموم واهتمامات هجرتها سلالات بني آدم منذ زمن بعيد. لقد أصبح أمر الاهتمام بشق الطرق وبناء المدن ومراكز التعليم والخدمات بأنواعها المتعاظمة؛ يشكل لدى (أولي الأمر) نوعاً من الاهتمامات البطرانة، بعد أن استردت مؤمياءات الماضي الأغبر مفاتنها وحيويتها على حساب الآمال والطموحات المشروعة للعيش الحر والآمن والكريم. لا يحتاج المتابع لأحوالنا الكارثية الى جهد كبير كي يكتشف، حجم البؤس والتخلف الذي وصلت إليه شبكة مواصلاتنا وطرقنا المحلية والدولية، والتي تفتقد لأبسط شروط السلامة ومتطلباتها، ونادراً ما يصادف السائق أو المسافر على تلك الطرق شيئاً مما يطلق عليه بالإشارات الضوئية وعلامات المرور، ولا نريد أن نعرج على الإضاءة أو الكامرات والأجهزة التي ترصد الحركة وما يجري على تضاريسها المرصعة بالحفر والطسات وغير ذلك من المفاجآت، كونها تعد جزءا من مكونات الرفاهية في وضعنا الحالي. ما يدخل عندنا في قائمة الرفاهية تحول منذ زمن بعيد في دول الجوار الى مستلزمات أولية معززة بدوريات الرقابة وسيارات الإسعاف المخصصة لتقديم العلاجات الضرورية وبأسرع وقت ممكن وغير ذلك من الخدمات التي ستنتظر طويلاً عند أسوار مضاربنا المنحوسة.
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة