الصباح الجديد – وكالات:
في معرضه “تفكيك الشكل” الذي أُقيم مؤخرًا في غاليري “زاوية” في رام الله، يقدم الفنان زهدي قادري، المولود عام 1972 في قرية نحف في فلسطين المحتلة عام 1948، خلاصةَ ما وصل إليه في مسيرته في التجريد البصري كأداة لفهمِ العالم وكرؤية بصرية معرفية تعيد تعريف الذات، والفن، والواقع. حيث تشكل هذه المعطيات، أي الفنّ كسؤال وكغاية وقيمة بحد ذاته، والواقع بمعطياته التاريخية ــ الاجتماعية ــ السياسية، والذات كجوهر يتحرك ويتمركز بين المعطييْن الأوليْن، تشكل في مجملها الخلفية التي تنطلق منها تجربة قادري البصرية والدائرة التي تتحرك فيها، بل هي تشكل، بتعقيداتها وتداخلاتها، خلفية اللوحة وبصريتها الكلية.
درس زهدي قادري فن الجداريات والفن الكَنسي في روسيا، وعاد إلى بلدته نحف في فلسطين المحتلة عام 1948 ليستكمل مسيرته الفنية، ضمن ظروف واقعٍ مضطربٍ بالصراعات والتناقضات، كعربي فلسطيني نشأ ويقيم ويعمل داخل حدود كيان استعماري، غير أن الفنان قد وجد في التجربة الروسية في التجريد ضالّته في السعي نحو خلق توازن معرفي ـــ بصري يستند إليه في صياغة وتعريف تجربته. وفي تجربة قادري البصرية مزاوجة بين الإرث الروسي والتجربة الفلسطينية، كتجربة جمعية استثنائية ما زالت تمر بواقع الاستعمار، وهو يرفد تجربته أيضًا بعناصر بصرية من الإرث الفلسطيني المحلي، ما وجد انعكاسًا له في أعماله المبكرة حول المكان ــ البيت، والشجرة، والوردة كمعادل للإنسان ــ الذات، إذ تشكل مجموعة أعماله في الوردة المرحلة البيْنية في مسيرته حيث بدأ بالتحول التدريجي من التشخيص إلى التجريد. وتستلهم تجربة قادري كذلك من التجريد الإسلامي، كفلسفة وشكلانيّة تتقاطع والتجريد كمدرسة فنية.
مجموعة الأعمال في “تفكيك الشكل” هي ترجمة بصرية معرفية لانهيار الشكل تبعًا لانهيار الموضوع؛ وهي أعمال ترتكز إلى المعطيات الهندسية المجرّدة؛ الخطّ، والدائرة، والمربع، والمثلت، وغيرها، لتفكيك وإعادة بناء رؤية للواقع والفن والذات. النقطة أصل الأشكال كلها، فما الخطّ إلا عبارة عن مجموعة من النقاط المتلاصقة، والخطّ بدوره الوحدة الأساسية للمثلث والمربع وبقية الأشكال الهندسية، والنقطة هي الدائرة المتناهية في الصغر، والدائرة نقطة ابتلعت الفراغ وابتلعها.
«تفكيك الشكل» لزهدي قادري: التجريد كمسار معرفيّ نحو الكونيّ
التعليقات مغلقة