عطر الانتماء

حسين نهابة

هل عرفتِ رجلاً له ضعفي
مشلولاً مِثلي
يتعكزُ جراحهُ
وبقيةً من فُتاتِ مباهِج قديمة
هي زوادتي في غيابكِ،
انا الكائن الذي كُنتُ
إنسانا؟
هل عرفتِ رجُلاً
وُلد في غير مكانِه
وبزمانٍ ليس بزمانِه،
قهرتهِ أنتِ
فانتكس أمامكِ مهزوماً الى وجه الرب
علّهُ يردُّ لهُ رُشده؟
الموجُ يكسرُني ويُحطمُ بقاياي
فلا تشنُقيني بحبلِ ذكرياتكِ.
ما زال فيّ رمقِ
من حِبرِ العاشقين،
فأقرئيني حين تُريدين
أو سمّي لي قصائدي
قبلما ترحلين.
في الغياب يتساوى الحُزنُ
واللاحُزن,
يصيرُ لون العذاب
واحداً
غامقاً كقهوةِ المآتِم،
بعيداً وباهتاً كالسراب،
يغدو لوناً خائفاً كبدلاتِ الجُنود
المُتخندقين في سكينة الفجر
دون ان يحلموا بالسلام.
في الغيابِ تصيرين
كل ذاكرتي
ينمو ظلكِ في خرائبي
فيشعلُ بين أضلُعي الحنين،
وتجترُ روحي زوادتها
وتقلّبُ عن وجهِكِ في دفاتر الوقتِ،
مقابرِ الصمتِ
وانطفاء السنين.
لا تخافيني،
أنا رجلٌ مُسالِم
لا أملكُ من عُدةِ الحرب
غيرِ ثوب الهزيمة
وأناشيد الراحلين بلا عودة
وأعلاماً قديمة،
لا تهربي مني
غريبٌ عنكِ أنا
لا تعرِفُني جاراتُكِ،
لستُ فارِس أحاديثهِن المُطوّلة
لا أختبيء في خزاناتِ أحلامهِنّ
ولا أعشعِشُ في سُطوحِ رغباتِهِن
البارِدة،
لا تعرِفُني مصابيح الحي
ولا مقاهي المدينة
و لا حتى أنتِ،
أنا رجلٌ مُذ عرفكِ،
وهو يقيمُ في الغياب
استبدل جلدهُ وتنازل عن هوِيتهِ
وتقاعد عن حياتهِ
ونذر عمرهُ لكِ،
فصار يتعكزُ صوتكِ القائم في أرضهِ
كصرحٍ قديم
والداوي بقلبهِ، كأغاني الأمهات المُنشتِلات
على دُروبِ الانتظار،
صار يجمعُ من أثرِكِ عِطر الانتماء
ويضرِبُ له بين راحتيكِ أرضاً وسماء،
لكن غيابكِ يا أنتِ
أفقدهُ معجزتُه
وأطاح بعرشِ نُبوتِه
وردّهُ خائفاً يخصِفُ عليه
من بردِ الشتاء
كي يستُر أميته.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة