إرسالهم إليها يعني أنهم أبناء غير بررة لذويهم
بغداد – أحلام يوسف:
حينما يرفض أحدنا وبنحو قاطع ارسال أحد والديه او أي فرد من افراد اسرته، لسبب او لسبب آخر الى دار المسنين، فهل سبب ذلك الشك بأنه سيتلقى العناية المطلوبة من قبل المسؤولين بالدار؟ ام هو الخوف من توجيه اصابع الاتهام لهم من قبل المجتمع بأنهم أبناء عاقين لأهلهم؟ وان كان أحدهم بالفعل وصل الى سن لا يستطيع الأبناء به رعايتهم لالتزامهم بعمل يتطلب تواجدهم خارج البيت ساعات طوال، او بسبب ظروفهم المادية ووضعهم الاقتصادي المرهق بنحو عام فهل سيكون الأفضل له ارساله الى الدار ومتابعته وزيارته يوميا للاطمئنان عليه؟ ام ان البعض من الميسورين يجدون ان الأفضل في تلك الحالة هو الاعتماد على ممرض يتواجد مع الابوين او أحدهما وقت غيابهم؟ وهل نحن شخصيا ان طال بنا العمر ووجدنا ان ابناءنا كل واحد منهم مشغول بعائلته الصغيرة، ولا وقت لديه للاعتناء بأبويه فهل يمكن ان نقرر ساعتها التوجه الى دار المسنين وقضاء بقية عمرنا هناك؟
الكاتب سلمان كيوش: الموضوع يخص وعينا وفهمنا لرعاية الوالدين، والاحسان لهما. أعني أني حتى لو ضمنت وجود رعاية فائقة في دار المسنين، فلا يمكن لي أن أهنأ لسبب آخر، هو ما الذي يمكن ان يقوله الناس عني. هكذا يفكّر الناس في مجتمعنا، بمعنى أن البعض يجزم ببقاء والديه في البيت تحت رعايته، مع يقينه ان ما يمكن ان يتلقيانه من رعاية في دار المسنين أفضل بكثير، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى هناك شيء لا يمكن أن يجده المسنّ في الدار حتى لو كانت بخدمات فندق خمس نجوم. أقصد لمسة الحب من ابني الذي هو من صلبي، وهمسة الرفق، وتربيته الآصرة الكبيرة بيني وبين ابنائي وأحفادي. احساس المسن انه في بيته، في مكان له ذكريات بكل ما فيه من زوايا وتفاصيل لا يمكن أن يجده في أي مكان آخر.
تضامن عبد المحسن مديرة قسم الإعلام في وزارة الثقافة تقول: ان السببين الذين ذكرتهما هما ما يمنعان من ارسال الوالدين لدار المسنين، لان الدار اصلا غير مؤهلة بنحو صحي وانساني لرعاية المسنين وقد رأيتها انا شخصيا. واضيف سببا آخر وهو الاهم بالنسبة الي اننا كمجتمع شرقي ومسلم تربينا على ان نبقى اسرة واحدة، فالأب لا يحبذ ان ينتقل ابنه من بيت العائلة بعدما يتزوج وان تصبح لديه عائلة منفصلة، الا ان كان الابن ميسر اقتصاديا، وكذلك بالنسبة الى أي من الوالدين ان أقدم أحد ابناؤهما الى طردهما من البيت، فالطبيعي ان تقوم الابنة باستقبالهم، هذه شيمنا واخلاقنا، قد تختلف من اسرة الى اسرة أخرى، لكنها كذلك غالبا. وربما استقدام ممرضة او شخص يساعد هو الحل الأمثل، والاكثر حفظا لكرامة الاهل، وذلك في حال اني لا استطيع الاهتمام بهما لارتباطي بعمل.
وتابعت عبد المحسن: أرى ان على الاب والام السعي لامتلاك منزل خاص باسمهم، ولا يحولوا ملكيته للأولاد الا بعد وفاتهم، حتى يتمكنوا من البقاء فيه مهما يفعل الأولاد، في حال كان أحدهم عاقا. وانا قد ابلغت اولادي في حال اصبحت عاجزة يوما ما، بان يتدبروا لي ممرضة ترعاني بما ساجنيه من راتب تقاعدي، الى ان يحين الاجل. وهذه كلها حلول افتراضية، فحينما يمرض أحدهم، الام او الاب، فإننا نترك كل شيء لنقوم برعايتهما، فيتعلم منا اولادنا ذلك، ويكونوا بموقعنا في المستقبل.
احمد محمد الركابي احد منتسبي وزارة الدفاع يقول: نحن نعيش وسط مجتمع مرتبط ارتباطا وثيقا بالأعراف القبلية فان ترسل احد ابويك الى دار المسنين فذلك يعني وصمة عار ستلحق بالأبناء، وهناك زاوية أخرى وهي البر بالوالدين فالله تعالى يقول لا تقل لهما اف ولا تنهرهما، أي ان الله سيغضب بسبب كلمة وحرف، احد الجيران كان يقدم على ضرب امه وقد سلط الله عليه أولاده حيث يقومون هم الان بضربه وشتمه، وبالمقابل احدى عماتي كانت تراعي ابويها لدرجة كبيرة وتعاملهما مثلما تعامل احد أبنائها بالرعاية والاهتمام وبالنتيجة فعندما كبرت بالسن كان حولها أبنائها واحفادها وقاموا برعايتها على احسن وجه، وهناك قصة شعبية تتحدث عن هذا الموضوع وهي ان احد الإباء جاء بزيارة الى ابنه وكان الفصل شتاء والجو بارد وممطر فطلب الاب من ابنه ان يجلب له غطاء فجلب له غطاء كانوا قد قطعوه نصفين لغرض اخر فراي الحفيد ما فعله اباه بجده، وبعد مدة طلب الابن غير البار من ابنه ان يجلب له غطاء فقطع الابن الغطاء وجلبه الى ابيه فساله الاب اين النصف الاخر فقال له احتفظت به لك عندما تكبر، فهذا هي الدنيا والحياة دائرة تدور على الكل.
الشاعر حسين ابراهيم الكعبي موظف في وزارة النفط: من الخطأ المقارنة بين دور المسنين والمجتمع الغربي والعراقي، فنحن تحكمنا العواطف أكثر وصعب تغيير ما نشأنا عليه، وحتى لو أقدم أحدنا على اخذ أحد ابويه عنوة الى دار المسنين فتبقى تلك حالات فردية وليست عامة. واعتقد ان هؤلاء سيقون يعانون من عذاب الضمير طيلة حياتهم.
بيادر النور مهندسة مغتربة تقول: جولات الحياة هي سطور كتبها القدر، ومهما اجتهدنا أن نحرز فيها بطولات أو انتصار، فالقرار قد صدر، وما محاولاتنا للفوز إلا دفاعا عن قناعات نتمناها واقعا، ومتى كان الإصرار حليفنا. سنجير الأقدار ولو إحساسا إلى صفنا. ونخلد للراحة مهما كانت النتائج. خلاصة الكلام، انا أجد بان دور رعاية المسنين مكان مناسب لمن انقطعت به السبل، خصوصاً اذا تزامن ذلك بتواصل دائم من قبل الأبناء والبنات بذويهم، ويجب علينا الفصل بين العقوق والمشاعر.
ظاهر فلاح اليساري طالب جامعي: كما تعلمين فنحن مجتمع ذو خصال بدوية، لذلك نعد هكذا مواضيع معيبة، وحساسة بالنسبة للطبيعة البدوية التي تتكون منها شخصياتنا. نرفض هذا الموضوع خوفاً من الناس اولاً، والدين ثانياً، علماً اننا لا نطبقه في المعاملة مع العائلة او المسن. وحياناً ينتج عن التخوف من العاملين في الدار خوفا من ان لا يوجد مهنية في العمل، وفي التعامل مع ذوينا. وانا ان طال الدهر بي، لن اذهب الى الدار (كلامي يبين رفضي في الوقت الحالي) لان البداوة مترسخة في اللاشعور في الشخص العربي والعراقي تحديداً.
كمال الدين الموسوي ناشط مدني يعمل بالتجارة الحرة يقول: انا بالنسبة الي وجدت الحل منذ وقت طويل وهو الاضراب عن الزواج وعندما أصل الى مرحلة عمرية متقدمة سأتوجه بنفسي الى أحد دور المسنين فلا اتعب ولد ولا اقلق أحدا علي، وسأتوجه للدار وانا محتفظ بكرامتي وعزة نفسي، بدل ان أعيش وبداخلي إحساس باني عالة على ابنائي الذين تعبت من اجلهم وراعيتهم ويردون تعبي ومحبتي بالعقوق، ذلك ما جعلني اقرر الاضراب عن الزواج.
وردا على الموسوي قالت نهار طه وهي عراقية مغتربة: بالنسبة الي لا اجد انه من المنطق ان نعد انفسنا متفضلين على أبنائنا وننتظر منهم رد الدين عند الكبر، بالنسبة الي انا أعيش في مانشستر، وهنا يوجد احترام للإنسان لذلك فمن المستحيل ان اعرض ابنائي الى ضغط نفسي ومادي وجهد إضافي، فقراري من اليوم اني ان طال بي العمر سأتوجه الى دار المسنين، ولو كنت بالعراق قد يختلف الامر بالنسبة الي لأني لا اعتقد ان دور المسنين هناك فيها من الملاكات الاختصاصية والتي تمتلك ثقافة عامة برعاية كبار السن، لاني اتصورها مثل أي مؤسسة بالدولة لا يوجد فيها ادنى الخدمات والرعاية التي تحفظ للنزيل كرامته وانسانيته، لكني بنحو عام لا اريد ان يشعر ابنائي بالملل والتعب مني بأواخر ايامي.
رضا الرحمن علي موظفة من مدينة الناصرية تقول: ان كان المعني من اهلي فمؤكد سأستعين بأحد اخر من الاهل او الأقارب كي يقوم برعايته الى حين عودتي من العمل، لكن مستحيل ارساله الى دار المسنين، لأسباب أخرى بعيدة عن نظرة المجتمع لكني اعلم ان الانسان عندما يكبر يتحول الى طفل كبير يشعر بالأمان مع اهله ويسعى للمعاملة الطيبة من قبل ذويه فالموضوع لا يتعلق بالمادة فقط، اما انا فأظن أنى سأتوجه الى دار المسنين ان وجدت اهل بيتي منشغلين عني ولا يمنحوني الرعاية المطلوبة.
وسام صابر ناشطة مدنية: لو كان هناك في العراق دورا للمسنين بالصورة الصحيحة، والتي تحفظ للإنسان كرامته، خاصة كبار السن كونهم يصبحون أكثر حساسية تجاه المواقف، والافعال، وردود الأفعال، فسيشعر الكبير بالطمأنينة خاصة وانه سيلتقي بمن هم في مثل عمره، واترك اولادي ليعيش كل منهم حياته الخاصة مع عائلته الصغيرة من دون قلق ومسؤولية مضافة.
محمود الكناني منتسب لدى الأجهزة الأمنية: رعاية الوالدين دين يجب تسديده، والعاق هو من يتحجج بالظروف، في الدول الأوروبية لا توجد مشكلة في إيداع الأبناء لاحد ابويهما او توجه أحد كبار السن الى تلك الدور لان الثقافة المجتمعية في هذا الشأن صحيحة إضافة الى طبيعة الرعاية التي يتلقاها المسن في تلك الدور ما يطمئن الأبناء على ابوهما ان اختاروا العيش هناك. ولكن يبقى حق الوالدين الشرعية والاخلاقية على الابناء رعايتهم الى آخر لحظة.
أمنية الربيعي ربة بيت تقول: الموضوع شائك، حقيقة، لكن ليس بالضرورة ان كل واحد بعث بأحد والديه الى دار المسنين يكون عاق، فربما الظروف المادية الصعبة التي لا تسمح للابن او البنت برعاية ابويها هي ما تجبرهم على ارسال ابويهما الى دور المسنين، ويبقى الموضوع متعلق بمدى الوعي والتفهم لتلك الظروف، وان لا يساء الفهم ولإثبات حسن النية على الأبناء ان يواظبوا على زيارة الاهل في تلك الدور، تبقى مسألة تفهم المعني للموضوع، وفي النهاية يجب ان يبقى خيار الدار هو الحل الابعد، ولا يكون الحل الأول، عند مصادفة أي مشكلة، بالنسبة الي اتمنى وفاة مثل وفاة ابي «رحمه الله» فقد دخل الى الحمام ليغسل يديه بعد تناوله العشاء بصورة طبيعية جدا وكان بكامل قوته، وخرج منه جنازة.
مساء طه الطاهر ربة بيت: ان كان الدار فعلا تتوفر فيه الشروط الصحية والإنسانية للمسن، من هدوء، وعناية صحية، ونفسية كافية، وتكون له صداقات مع اقرانه الذين يشاركونهم الذكريات والهموم، فدار المسنين نوعا ما أفضل بكثير من العيش وسط عائلات تحتضن كبار السن من دون اي رعاية او مؤهلات، ومن دون توفير ما تحتاج تلك الفئة من المجتمع، انا كنت اعمل في دائرة تخص دور المسنين والرعاية، وكان الكثير منهم سعيدين بوجودهم بالدار، وكان هناك بعض العلاقات التي انتهت حتى بالزواج.
فؤاد البدري موظف: ارسال الآباء لدار المسنين تحت اي سبب او ذريعة هو منافي للقيم والعادات الإسلامية، والقران دعا على رعاية الآباء مهما كانت الظروف، وفي حال فشل الأبناء في الحفاظ على كرامة آبائهم في بيوتهم، فهذا تقصير من قبلهم، وهم يتحملون تبعاته، وهنا اطرح هذا السؤال اغلبيتنا نعيش اليوم في بيوتات كبيرة بفضل الإباء فكيف بعد ذلك نطردهم من البيت ونرسلهم الى دار مسنين تابعة للدولة؟
حافظ سلام ناشط مدني: صعب جدا أن أتخيل أحد والدي يعيش في دار المسنين، وكذلك من الصعب استئجار أحد ليقوم بمقامي برعايتهم، ولكن فيما يتعلق بي، فانا لو تقدم بي العمر سأختار الذهاب لدار المسنين، وترك أولادي ليعيشوا حياتهم كما يحلو لهم،
صحيح أنى سأشتاق إليهم كثيرا، وأتمنى زيارتهم لي بفارغ الصبر، ولكن الحياة ضمن مجتمع مسن في حال لو كانت الدار مخدومة جيدا من ناحية البناء والرعاية، أعتقد انها ستكون أفضل لتقارب الأفكار فيما بيننا.
أبو ادم: من الواجب الاخلاقي والشرعي والاجتماعي ان يرعى الولد والديه،
اما ان يُرمى الطفل في الحضانة حتى يكبر، ثم يُرمى الكبير في السن في دور المسنين فهذه مصيبة، واعتقد انها البداوة بعينها، فالبداوة تحترم دائما القوي، وتحتقر الضعيف، ولا تؤمن الا بمبدأ القوة، وحتى الحيوانات ترعى بعضها البعض، ومن واجب الانثى كما هو معروف رعاية صغيرها حتى يكبر، ولا ادري ما هو المسوغ لهكذا امور مشينة، فمن واجب الاسرة رعاية الكبير في السن بوصفه افنى عمره في سبيل راحة الاسرة، ومن واجب الدولة ايضا رعايته لأنه طالما خدمها، وكان عضوا فاعلا فيها، وحان الوقت لرد الدَين.
نبيلة مشني عراقية مغتربة تقول: موضوع غايه بالأهمية، ويستحق ان نجري بحثا او بحوثا بهذا الخصوص، للأسف لقد سمعت قصصا وحكايات بهذا الخصوص، ان احدهم يرفض ارسال والديه الى دار المسنين، لا لرد الجميل مثل ما يسميه البعض، وانما خوفا من كلام الناس، لقد عملت متطوعة لأكثر من 10 سنين بدار المسنين بحيث اكتسبت خبرة في كيفية التعامل مع هؤلاء الناس، الذين هم بأمس الحاجة الى الحب، والعطف، والاهتمام، واصبحت لدي صداقات اعتز بها، هذه الخبرة اضفتها لخبرتي المتواضعة من خلال علاقتي مع جدتي مثلا، التي جمعتني بها علاقة صحبة، لذلك فانا افكر بنحو جدي، لو استقر بي الامر في بلدي الحبيب، سأفتح دارا للمسنين، وسأشرف بنفسي على كل صغيرة وكبيرة، وما زلت افكر في مشروعي هذا، ونسيت ان العمر يمضي، وما زلت افكر، وافكر، حتى ينتهي بي المطاف لأبحث عن دار مسنين اقضي بها بقية عمري.
اختلف الكل في بعض الجزئيات والتفاصيل فمنهم من وجد ان الامر يتعلق بثقافة مجتمع وعاطفة جبل عليها الانسان الشرقي بنحو عام والعراقي بنحو خاص، والبعض منهم وجد ان الأبناء من واجبهم مراعاة الاهل بعد الكبر ووجدوا ان ذلك جزء من دين في رقابهم، وهناك من اوعز الموضوع الى التربية الدينية بما فيها الاحاديث والآيات القرآنية التي تحث على طاعة الوالدين ومراعاتهما لكن اتفق الكل على ان طبيعة دور المسنين والثقافة التي يحملها المسؤولين والاداريين وحجم المراعاة التي يمكن ان يتلقاها النزلاء وأيضا حجم الثقة التي يمكن ان تدفع الأبناء الى ارسال احد ذويهم لسبب او لسبب اخر الى تلك الدور من دون الإحساس بالذنب او القلق.