قد يكفل النظام الديمقراطي بنحو عام الحريات العامة لاية دولة ويتيح للافراد بشتى عناوينهم التعبير عن مواقفهم وممارسة طقوسهم وتأمين نشاطهم السياسي والاجتماعي من دون تأثير او ضغوط او اكراه ولكن .. ثمة تفاصيل ومتعلقات بهذه الحريات تتطلب تنظيماً ولربما قيوداً ليس الغاية منها التضييق والتهميش او مصادرة الحقوق بل من اجل تقوية وتعزيز المظاهر الوطنية والحفاظ على هوية الدولة امام الدول الاخرى وربط الانتماء بها وفي التجربة السياسية العراقية طغت على السطح مجموعة من الممارسات شكلت انتهاكاً قوياً لمضامين الديمقراطية وشوهت معالمها فتحت عناوين ومسميات الحرية توغل شخصيات وجهات سياسية في ممارستها التي تتعارض مع رؤية الدولة وتحاول تقويض السلطات فيها على المستوى التشريعي والتنفيذي والقضائي وتعمد هذه الجهات على منح الشرعية لها في تحركاتها داخلياً وخارجياً وتمتلك الكثير منها قنوات فضائية وصحف واذاعات الهدف منها تثقيف الجمهور بسياسات وثقافات تتعارض في برامجها مع سياسة الدولة وفي النهاية تسهم هذه التحركات في سلب الهوية الوطنية للدولة وتظهرها امام العالم كولايات او دويلات مجزأة ومنقسمة لكل منها توجه وهدف وقد سمح التهاون الكبير من قبل الاجهزة الرقابية للدولة وتعثر الكثير من القوانين والقرارات التي تنظم مساحات الحرية في العراق في تمادي هذه الجهات واصرارها على اقتسام السيادة العراقية والادعاء بتمثيلها العراق والادعاء بانها صوته وهويته واذا علمنا ان هذا البلد هو مجموعة متنوعة تتشارك فيها مكونات مختلفة دينياً وقومياً ومذهبياً فان السماح بالحرية المطلقة من دون قيود او شروط اسهم الى حد كبير في تشظي المواقف العراقية تجاه الكثير من القضايا والمشكلات الداخلية والخارجية وفي الوقت الذي تتطلب الكثير من هذه القضايا والمشكلات موقفاً وطنياً موحدًا يقوي من مكانة العراق ويعزز حضوره الدولي تجتهد زعامات دينية وسياسية في تحركاتها والتعبير عن مواقفها من دون تنسيق وتفاهم مع الحكومة العراقية وتضع البلاد في مأزق كبير وقد تسبب هذا التشظي في تغييب ملامح الموقف العراقي وتمييع دوره واضعاف صوته في المحافل العربية والدولية واذا اردنا ان نشخص بنحو دقيق مثل هذه المظاهر والانتهاكات فاننا نعيب على الكثير من زعماء الاحزاب والكيانات زياراتهم الخارجية الى دول الجوار وتباين مواقفهم وتصريحاتهم وتعارضها مع موقف وتصريحات ممثلي الحكومة العراقية التي هي في النهاية الممثل الشرعي للعراق وطناً وشعباً.
د. علي شمخي
مساحات الحرية
التعليقات مغلقة