لعلَّ الفاقة ،و مخزون الألم ، وقسوة الجلاد ، وصعوبة الحياة ،مع حبه للقراءة ،والثقافة ،والسينما ،والحانه جعل من شخصية الأديب «علي السوداني « يتطبع بطابع السخرية والتهكم بالكتابة القصصية ،أو العمود السياسي ، المحاولة الأقرب لنبض القلب لدى كثير من القراء والمتلقين، وأرى إنه الفن الأصعب ، كتبت عن سخرية أحمد مطر الشعرية بلافتاته «أحمد مطر سوط على رؤوس الطغاة» وعن الأدب الساخر عند الشاعر والإعلامي «وجيه عباس « مع ذكر لأهم الأدباء الذين عالجوا المواقف الإجتماعية ،والسياسية بصورة تهكمية من برنادشو إلى زكريا تامر ، لكن المبدع «علي السوداني « الذي كرس جهده بالمكاتيب التي أتابعها بالزمان ،وبصفحته بالتواصل الإجتماعي،أو بحواراته ليس بالضرورة أتفق معه تماماً ،هناك ما أختلف معه برأيه .
بكتابه ( باص أبي تستوقفه مارلين مونرو) الصادر عن دار دجلة /2016 ط1 ب295 صفحة .. حشد فيه مقالات تعج بالألم ،والسخرية ، حكواتي يفضح بقصصه الواقع المؤلم .. فقد تميز بالتمرد ،والصعلكة ، والدفاع عن المهمشين ،المقموعين ، تجده ساخطاً ناقماً فاضحاً الزيف السياسي ، أرى بقلمه ثمة بكاء من فرط الضحك، وفي الوقت ذاته نفسه تضحك من فرط الألم الذي يتميز به . فتلك هي الكوميديا السوداء التي تعري الزيف والضحك على الذقون ، و الكتابة لديه تمثل الهاجس بكشف الأخطاء، وتحد من الفساد بطريقة أدبية محببةلدى القراء،لغته تتفرد بإنها تبتعدعن التهريج ..وبذاءة الألفاظ.. إلا على من يستحقها من سراق المال ،وقوت الفقراء ،والمساومين على بيع الأوطان تراه ينزل سوطه على ظهورهم ووجوههم، وتلك السخرية الواعية التي تحمل في طياتها المعنى العميق بتعريف فضائح الساسة ،قاموسه بلعنة كل فاسد تجعله لايرفع رأسه لقراءة مايدونه علي السوداني ، والعمق بالتحليل عن المحتلين لأرض العرب ، والبعد الثالث «للسوداني « الغوص فيما وراء الأحداث وليس سطحيتها .. أكثر من 60 مقالاً ،وقراءةً بموضوعاته المختلفة بهذا السفر الجميّل ، السخرية الجادة ..الهادفة ..فالكتاب ليس السخرية لأجل الضحك ؛ بل كتاباته ضاجة بالوطنية ،ووجع الكتابة الهادفة ،الغاضبة ،المرّة ،السخرية السوداء ،القصف السوداني على من اسهم بالخراب ،والفاق ، ليجعلها البلد الأكثر فساداً بالعالم بسرقاته ، الكتاب إنتفاضة ..وصرخة وطنية .. مجتزا في ص19 من عنونة الكتاب وعتبته وضع السوداني (باص أبي تسوقُهُ مارلين مونرو ) بمقدمة موضوعاته:
( سأفترض ُ أنَّ عمري أوانها ،كان سبع سنين ، سأفترض ُ أنَّ يديّ الغضة ، قد تعرّفت بيمين أبي السائر بي ،صوب الباب الشرقي من أعمال وأطيان بغداد العباسية . سأفترض أنني لم أكن على منام وغطيط أحلم. سأفترض أنني كنت على مقعد الثاني الإبتدائي .سأفترض أنني لم أكن ألثغ السين . ولا ألحنُ بلامقعد بفرجة نون .سأفترض أن الفلس الأحمر ، مازال عزيزاً. سأفترض أنني وصلت ُ وأبي ،الباب الشرقي من الحاضرة الذهبية البديعة ،بوساطة باص مصلحة .أعني مصلحة نقل الركّاب ، المشهورة بهذا المسمّى الرحيم ……).نسق الكتابة بالكتاب إتسم بالمعالجات الإجتماعية ،والثقافية ،والسياسية ،إستحضار سيرته الذاتية وذكرياته في بغداد ، وأنت تقرأ الكتاب كأنك تشرب فنجان قهوة بلهفة لِتستريح من العناء اليومي ..
صباح محسن كاظم
علي السوداني السخرية والجديّة
التعليقات مغلقة