كثيرون سيهاجمون السيد مقتدى على زيارته للسعودية، ويعتبرونها تأتي بعد زيارة «ترامب» والمحوريات الجديدة المطلوب تأسيسها ضد ايران وحزب الله والاخوان المسلمين وغيرهم.. او يعتبرونها تزكية للجماعات التكفيرية التي لها مواقف متشددة من الشيعة والعراق، ومركزاً اساسياً للدعم الاعلامي والمالي والسياسي الظاهر والباطن الذي حظى ويحظى به الارهاب. لكن الزيارة والاستقبال واللقاء بكبار القادة، قد تكون على العكس، مبادرة شجاعة لكسر ذلك كله، وخطوة ايجابية بالاتجاه الصحيح، وتخلياً عن نهج انكفاء كل منا على داخله ومبانيه، بينما الرياح المتضادة تعصف بنا جميعاً.
فالخروج وليس الانكفاء، والانفتاح وليس العزلة، والحوار وليس التراشق، وفهم الاخر وما يقابله، والبناء على المشتركات لتطويق الخلافيات، والتخلي عن منهج الادانات المتبادلة والتي لن تنفع بيننا كدول وشعوب.. بل لن تنفعنا وطنياً مهما تكلمنا عن المصالحة والتسوية والتصالح الاجتماعي وغيره. فمجتمعنا متنوع ومتعدد وله امتدادات وروابط. فيه الشيعي والسني، والمسلم والمسيحي، والعربي والكردي والتركماني والايزدي والشبكي والفيلي والصابئي، فيه القومي والشيوعي والاسلامي والمتدين وغير المتدين.. ولكل هؤلاء امتدادات مع الخارج والجوار.. وان احدى مفاتيح العلاقات الايجابية الداخلية هي بحسن العلاقات الايجابية الخارجية.
لذلك ان يزور داعية اسلامي كالمالكي دولة علمانية كروسيا هو امر ايجابي.. وان تزور عمائم شيعية كالصدر او الحكيم دولاً سنية كالسعودية ومصر والاردن هو امر ايجابي.. وان يزور قيادي سني كالجبوري دولة شيعية كايران هو امر ايجابي.. وان يزور زعماء تركمان او اكراد بلداً كتركيا هو امر ايجابي. فالاهم في ذلك كله مضامين ومباني اللقاءات، وان ننقل معاناة شعبنا وظروفه وان نتفهم حساسيات وقلق الاخرين.. وان نشرح اهمية تحقيق السلم الاهلي وتعايش الجميع، والذي لن يتم ما لم يتحقق تعايش اقليمي وبين دول الجوار، بل بين العراق العالم قاطبة. فالاهم ان تكون المضامين والمباني صحيحة، ولا فرق بعدها ان كانت في الداخل او في الخارج، او مع من يشاركنا الهوية والجنسية او يختلف فيهما عنا.
الانتقادات بمفردها لن تصنع وقائع، لكن الوقائع تصنع بالضرورة انتقادات.. ويجب الحرص ان نبني وقائع ايجابية وبناءة، عندها سنبرهن ان الانتقادات لم تكن سوى مبالغة في الخوف او في الحرص او مجرد احاديث ليس الا.. بخلافه ان كنا نخشى صناعة الوقائع الايجابية، او نتلذذ (كالساديين والمازوشينيين) بالبقاء في دوائر جلد الذات والشركاء، والصراعات الداخلية، والبؤس والفقر والتبعية والجهل والمرض والتخلف والوقائع السلبية، فاننا سندين وننتقد انفسنا قبل ان يديننا وينتقدنا الاخرون. فلقد واجهنا هذا الامر بزيارة السيد الحكيم لواشنطن قبل التغيير.. وواجهنا ونواجه انتقادات مستمرة في التصدي للارهاب والتطرف بقواتنا المسلحة وبحشدنا وبيشمركتنا، ومن اجل بناء حياة دستورية ودولة المواطن بعيداً عن الاستبداد والتفرد والمحاصصة والفساد والطائفية والكراهية.. وهذه الانتقادات ستذهب ادراج الريح، ان كانت الوقائع التي تترتب عن المبادرات سليمة ومبدئية وتؤسس لمسارات ايجابية تخرج البلاد -ولو بمخاضات وصعوبات وانتكاسات- من اختناقات وازمات، وتدخلها في حلول واوضاع منفتحة جديدة.
لذلك نرى بان زيارة السيد مقتدى للسعودية، ان كانت ستساعد –ولو جزئياً او بعد حين- على حل الاوضاع في العراق وسوريا، وفتح افاق جديدة فيهما.. وان تطور العلاقات الايجابية التي برزت بانتخاب الرئيس عون في لبنان والمدعوم من حزب الله والتي كانت مقدمة لقيام حكومة الحريري.. وتساعد في حل الازمة الخليجية القطرية، وفي ايقاف الحرب في اليمن، وفي انهاء الازمة في البحرين، وفي حماية الشيعة اينما كانوا، والسنة اينما كانوا، وفي عز وسؤدد واستقلال شعوبنا ومواطنينا بكل هوياتهم وانتماءاتهم.. وفي تحسين العلاقات الايرانية/السعودية/الخليجية/العربية/الاسلامية، او على الاقل فتح المسارات بهذه الاتجاهات كلها او بعضها على الاقل، فانها ستكون زيارة في وقتها وظرفها. وتبين ان العراق ينهض من جديد.. ويأخذ زمام الامور بيده، ويخرج من شرنقته السابقة.. ويدخل عهداً جديداً قد يكون صعباً رؤيته، الان.. لكن ستتجلى تدريجياً ابعاده ومعانيه واثاره الامنية والسياسية والاقتصادية.
عادل عبد المهدي
زيارة السيد مقتدى الصدر للسعودية!
التعليقات مغلقة