تغييب التيار المدني

تتهيأ النخب السياسية في العراق لخوض انتخابات جديدة في دورة انتخابية يتوقع الكثيرون ان تتغير فيها ملامح الخارطة السياسية بنحو جذري انعكاسا للتطورات والاحداث التي رافقت العراقيين خلال الاربع سنوات الماضية وتتجه الانظار نحو التيار المدني في العراق ويتساءل كثيرون عن مدى قدرة هذا التيار على استثمار فشل الاحزاب الاسلامية في الانتقال بالعراق الى آمال وتطلعات الشعب العراقي في بناء دولة جديدة وواقع جديد ينهي معاناة الملايين الذين انتظروا ومايزالون ينتظرون رؤية وطن معافى وانطواء صفحات الحروب والفساد والنزوح والتهميش وعلى الرغم من مرور عقد ونصف العقد من السنين على الاطاحة بالنظام الديكتاتوري لم تستطع الاحزاب والكيانات السياسية في العراق استثمار فرص كثيرة من اجل بناء دولة مدنية يحظى فيها الجميع بالكرامة ويسود فيها التعايش وتتساوى فيها الحقوق والواجبات وعمدت جهات داخلية وخارجية على تشويه هذه التوجهات والدعوات لظهور مثل هذه الدولة وجرى استلاب الكثير من المفاهيم تحت طائلة النزعات الطائفية والقومية ولم تعر هذه الاحزاب والكيانات أي اهتمام لاول دعوة لبناء مثل هذه الدولة نادى بها المرجع الديني الاعلى اية الله العظمى السيد علي السيستاني بعد ان استشرف واستقرأ دعوات مضادة لالحاق العراق بمحاور اقليمية تذوب فيها معالم استقلاله وتفرده عن الدول المجاورة الاخرى بتنوع قومياته ومذاهبه وتوحد مكوناته في صنع حضارة ودولة بقيت تقاوم كل اشكال الاحتلال والتبعية على مدى قرون طويلة وقد اثبتت الايام مدى صحة ودقة مثل هذا التوجه فالسلوك السياسي للتحالفات والكتل السياسية لاكثر من دورة انتخابية بقي قاصرا واسيرا تحت خيمة التجاذبات الطائفية والولاءات الاقليمية وغابت فيه المصالح الوطنية العليا وحضرت فيه المصالح الفئوية وعمدت هذه التحالفات على تضييق الفرص امام الدعوات لبناء الدولة المدنية وحوصرت كل مظاهر هذه الدعوات وجرى التنكيل بها وتشويهها ضمن اجندة اعلامية مدروسة وممنهجة واسهم تشتت التيارات المدنية وغياب التخطيط والتنسيق فيها في بعثرة اوراق التيار المدني وتبدو اليوم الفرصة كبيرة ومؤاتية نحو بناء تيار مدني عريض ينشد الوصول الى الدولة المدنية واولى الخطوات لتحقيق ذلك هو تقدم شخصيات وطنية لتمثيل هذا التيار امام الجمهور والافصاح عن مشاريعه بقوة ووضوح والاسراع في تقديم برامج انتخابية قادرة على اقناع الرأي العام بقدرة هذا التيار على اصلاح ماتم تخريبه في العراق وملء الفراغ الكبير المتمثل بصدود الجمهورعن ممثلي الكتل والكيانات التي تحكمت بمقاليد الامور طوال السنوات السابقة وفقدان الثقة بين اتباع هذه الكيانات وزعاماتها وعدم الاستسلام لاساليب التيارات الاخرى في تحجيمها وتغييبها للتيار المدني .والاجتهاد بعقد تحالفات مع تيارات اخرى تؤمن ببناء الدولة المدنية وتنبذ كل اشكال السلطات القهرية التي مورست بحق العراقيين واسهمت بتشتتهم وتفرقهم .
د.علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة