في ظل التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي
مازالت أوروبا في مرمى نيران “داعش”، فهجمات بروكسل وقبلها هجمات باريس مثلت حوادث إرهابية بخسائر فادحة، تطفو معها إلى السطح أسئلة عن الثغرات الأمنية التي ينفذ منها الإرهابيون في أوروبا.
وكشفت الهجمات الإرهابية الأخيرة عن بعض نقاط الضعف الهيكلية للاتحاد الأوروبي ، فلا يزال التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الأعضاء غير كاف، و تنشأ هذه التحديات في الوقت الذي يواجه فيه الاتحاد الأوروبي بالفعل سلسلة من الأزمات، من بينها أزمة مالية ونقدية أسفرت عن مساعدات لإنقاذ العديد من الدول الأوروبية ، وأزمة اقتصادية، مع تباطؤ النمو والبطالة المتفشية، وأزمة هجرة اندلعت بسبب الحرب السورية، وأزمة اندماج كما اتضح من الأحياء على غرار “حي مولينبيك”، القاعدة الخلفية لهجمات باريس وبروكسل، التي تعاني العزل الاجتماعي والتمييز والنفوذ السلفي، وأزمة هوية تتمحور حول وضع الإسلام في أوروبا ومسألة الهجرة” .
وترتبط هذه الأزمات واحدة بالأخرى، فتنظيم “داعش” ومعظم مرتكبي هجمات بروكسل وباريس الذين ولدوا وترعرعوا في أوروبا يفهمون هذا المأزق، وهم مصممون على تحقيق الاستفادة القصوى منه.
ويقول” فيليب لامبرتس” زعيم كتله الخضر في البرلمان الأوروبي في تصريحات للشرق الأوسط فى 2 مايو 2017 ” أن التعاون الأمني بين الدول الأعضاء في الاتحاد، لم يصل بعد إلى الدرجة المطلوبة لا من حيث جمع المعلومات الأمنية أو تبادل تلك المعلومات، ويجب أن يكون التعاون أعمق في هذا الإطار سواء بين الدول الأعضاء أو بين المؤسسات الأمنية والقضائية، وتسهيل عمليات أمنية مشتركة والتنسيق بين الأجهزة المعنية في إجراء تحركات وملاحقات للمشتبه في علاقتهم بالإرهاب، ويجب بشكل إجمالي تعزيز العمل المشترك في مجالات مختلفة”.
حرية الحركة داخل فضاء “الشنغن”معضلة أمنية في أوروبا
يعتبر ضعف تبادل المعلومات بين وكالات الاستخبارات، والنظام المهلهل في تتبع المشتبه بهم عبر الحدود المفتوحة، والقائمة الطويلة بالمتطرفين المحليين المفترض مراقبتهم، أعطى فرصة لتنفيذ الهجمات على الأراضي الأوروبية.
ويعتبر التنسيق بين أجهزة الاستخبارات الأوروبية ضئيلا، في ظل عدم وجود قائمة شاملة ومشتركة بالمتطرفين المشتبه بهم، لذلك استطاع المهاجمون التنقل بحرية وبشكل متكرر عبر حدود الاتحاد الأوروبي غير الخاضعة للحراسة، مع سفر المتشددين إلى سوريا وعادوا مجددا،بل كانوا حريصون على عدم إبراز أنفسهم أو إعطاء القانون ذريعة لإلقاء القبض عليهم،وتعكس هذا المعضلة الأمنية في أوروبا افتقار السلطات إلى الوصول إلى قواعد بيانات مشتركة بشأن الإرهابيين المشتبه بهم.
من جانبه قال”جوليان كينغ “مفوض شؤون الاتحاد الأمني “لدينا مجموعة من قواعد البيانات لمساعدتنا على مكافحة الإرهاب وإدارة الحدود، ولكن النظم المتوفرة يمكن أن تكون أقوى وأكثر فعالية من خلال المعلومات التي يتم تغذيتها بها، ومعالجة الطريقة التي يتم بها حاليا توفير المعلومات من أجل الوفاء بالتزاماتنا بتوفير أنظمة قوية وذكية للأمن والحدود”.
العودة إلى أوروبا بوثائق سفر مزورة.
كشفت دراسة أعدتها دار الإفتاء بمصر أن “عودة المُقاتلين الأجانب إلى الدول الغربية يُعد تحديًا رهيبًا أمام تلك الدول لما يمثله هؤلاء من مخاطر محدقة على الأمن القومي والاستقرار المجتمعي والفكري فيها، وهي ما سيفرض على الدول تشديد الإجراءات على حدودها البرية والبحرية وفي موانئها ومطاراتها لمنع تسلل الإرهابيين المتطرفين عبر الطرق الملتوية، وكشف أي وثائق سفر مزوّرة”.
وأكدت تحقيقات وتقارير أوروبية الكلام السابق و كشفت عن أن “داعش”اعتمد خطة لإعادة المقاتلين الأجانب إلى أوروبا بعد توقيعهم على استمارات خاصة تتضمن عزمهم على تنفيذ عمليات في أوروبا، وهو ما عده مراقبون بمثابة القنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أي وقت وفي أي مكان بالعالم، وحذر الأوروبول في هذا الإطار من خطورة تسلل أولئك العائدين وسط النازحين واللاجئين السوريين بوثائق مزورة.
ويقول “بوب واينرايت” مدير الأوروبول ” إن الخطر لا يزال مرتفعا على الأمن الأوروبي الداخلي، ويبقى عدد العائدين من الأوروبيين الأصليين أو المتجنسين بالجنسية الأوروبية من الذين قاتلوا في السابق في صفوف تنظيم “داعش” غير معروف بشكل دقيق ”.
اعتقال ارهابيين في نزل اللاجئين
• يوم 9 يوليو 2016 أوقفت الشرطة الفرنسية طالب لجوء سوريا للاشتباه في أن له علاقة بمنفذي الهجوم على كنيسة “سانت إتيان دي روفريه” في نورماندي شمال البلاد.
• يوم 20 يوليو 2016 ألقت الشرطة البلجيكية 10 القبض على لاجئين للاشتباه في صلتهم بتنظيم داعش، فيما أطلقت سراح أحد المعتقلين بعد إجراء استجواب معه.
• يوم 9 أبريل 2017 كشف تقرير إعلامي في ألمانيا أن الشرطة ألقت القبض على لاجئ، خلال مهمة لمكافحة الإرهاب في مدينة “لايبزيغ” شرقي البلاد.
• يوم 19 يونيو 2017 أعلنت الشرطة الايطالية إلقاء القبض على لاجئ عراقي، يبلغ من العمر 29 ، بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة داعش، بمدينة “كروتوني” بمقاطعة “كالابريا”.
• يوم 30 يونيو 2017 ألقت الشرطة الهولندية القبض على لاجئ سوري، في مدينة “برنسوم” التابعة لمقاطعة” ليمبرخ”، جنوبي هولندا ، بسبب “تورطه في عمل إرهابي”.
عدم ربط الأجهزة ألأمنية بين السجل الجنائي وسجل الإرهاب المنظم.
كشفت دراسة بعنوان “التطرف والهجمات الإرهابية في الغرب” أعدها خبراء في جامعة جورج واشنطن الأميركية، ومعهد الدراسات السياسية الدولية الإيطالي، ومركز “إي سي سي تي” لمكافحة الإرهاب في لاهاي، أن معظم منفذي الاعتداءات الإرهابية في الغرب هم في أواخر العشرينات ولديهم سجل جنائي سابق،وارتكبوا اعتداءاتهم دون تنسيق مع تنظيم داعش.
ونفذ 65 مهاجما الاعتداءات التي أسفرت عن مقتل 395 شخصا وإصابة 1549 آخرين على الأقل، وبلغت نسبة الذين كانوا معروفين لدى السلطات الأمنية قبل ارتكاب اعتداءاتهم 82% بينهم 57 % لديهم سجل جنائي سابق، و18% سبق وإن تعرضوا للسجن.
وتم قتل 43 مهاجما، واعتقل 21 فيما لا يزال شخص واحد هاربا،وبلغ متوسط أعمار المهاجمين 27 عاما وثلاثة أشهر. وبلغ عمر أصغرهم 15 عاما وأكبرهم 52 عاما. وبين المهاجمين امرأتان.
كان 73% من المهاجمين من حملة جنسيات البلدان التي ارتكبوا فيها اعتداءاتهم و14% منهم لديهم إقامة قانونية و5% منهم كانوا لاجئين أو طالبي لجوء،وكان 6% منهم يقيمون في البلدان التي نفذوا فيها الاعتداءات بشكل غير قانوني أو ينتظرون الترحيل،كما أن 17% من المهاجمين كانوا اعتنقوا الإسلام.
أكدت الدراسة أن 18% فقط من المهاجمين كانوا أجانب، وفي 8% فقط من الهجمات صدرت الأوامر مباشرة من تنظيم داعش،كما أشارت إلى أنه في 66% من الحالات، كان للمهاجمين اتصالات مع تنظيم داعش لكنهم تصرفوا بمفردهم.
وأثار ألاعتداء الذي جرى على جسر لندن تساؤلات جمة عن تبادل المعلومات بين الدول الأوروبية، في الوقت الذي يتنقل فيه الإرهابيون بحرية كبيرة عبر الحدود المفتوحة لتلك الدول، فكيف يمكن أن يوجَد مشتبه إرهابي في قاعدة البيانات الإيطالية ولا يوجَد في نظيرتها البريطانية؟ ولماذا لم تتحرك السلطات البريطانية لمراقبة “زغبة “بعد رؤية اسمه على القائمة؟،وعلى الرغم من وجود منفذ الآعتداء في قائمة المراقبة الخاصة بالاتحاد الأوروبي، فقد تمكن “زغبه” من دخول بريطانيا مرتين على الأقل.
وصرح” أورتو فارفلي”، مدير برنامج مكافحة الإرهاب بميلانو الإيطالية، قائلا “نظراً لأن مراقبة مشتبه واحد تتطلب أربعة عملاء، فمن المنطقي أن تجد الدول الأوروبية صعوبة في توفير هذا العدد اللازم الكبير لمراقبة جميع المشتبهين، ولذلك باتت كمية المعلومات تشكل عبئاً متزايداً”.
* عنت المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات