جدل العقائد

ما الذي تريدون منا الاعتقاد به بالضبط؟ صديقي العلماني يصر دائمًا على التأكيد بيقين أنه لا سبيل للنهوض إلا بالفصل التام بين الدين والسياسة، ولكنه يصر – وبذات الحماس – على وجوب أن تقوم المؤسسات الدينية بدورها في التوعية بقيم المواطنة والانتماء للوطن والمساواة والإخاء بين مواطني الدولة لمجابهة التطرف والطائفية.
أليس من الأولى مطالبة الحكام بالإصلاح السياسي، بدلًا عن مطالبة الشيوخ والقساوسة بالحديث حوله؟
صديقي الحداثي لديه تفسيراته الخاصة للنصوص الدينية، وهي متوافقة تمامًا مع إيدولوجيته واختياراته السياسية، ورؤيته لروح العصر. ولكنه يصف كل من يخالفه بالجهل وفساد العقل والتصور، سواء كان من يخالفه من أهل العصر أو السلف الذين يظن عليهم بوصف الصالح، وأيًا كانت القضية، ومدى انتشارها بين عموم الناس أو خاصتهم، متمسكًا بحريته في الاعتقاد واهتدائه بنور عقله.
أليس للآخرين أيضًا نصيب في هذه الحرية، ولهم عقول يستضاء بها؟
صديقي الإسلامي له هو الآخر رؤيته وتصوره عن الدين والواقع، ومشروعة السياسي الذى يراه حلًا، وهو في الحقيقة متفهم ومتسامح، ليس كأولئك المتطرفين الذين لا يقبلون أدنى خلاف، وإنما يحدثني دائمًا عن آداب الخلاف، ويعظني مشكورًا أن أحذر هوى النفس وحب الغلبة فأرفض الحق وأسوغ الباطل، ولكنه ينسي كل عظاته كلما اختلفنا في مسألة.
(ثم..) انه لا يكتفي بتأييدة للسلطة كاختيار سياسي شخصي، بل يصر على أن هذا التأييد واجب شرعي بنحو ما، إضافة لكونه واجبًا وطنيًا، فلولا رشد حكامنا ووطنيتهم لأكلنا المتطرفون أحياء، وهذا يغفر لحكام كل شيء، حتى لو أكلوا لحومنا وشربوا دماءنا، فقد كفونا شر المتطرفين.
وهذا لا أناقشه عادة؛ لأن مساواة أفكاره وآرائه بآراء الآخرين تعد إهانة لهم. والذي يجمعهم أنهم لا يعترفون بحقي الطبيعي في اعتقاد ما أشاء. وبالرغم من أن الدين يشغل حيزًا كبيرًا من تفكيرهم واهتمامهم، غير أن اهتمامهم هذا ينصب على جانب واحد من جوانب الظاهرة الدينية؛ كونها تمثل حجر الزاوية في بنية السطوة الاجتماعية محور اهتمامهم الحقيقي.
* القاهرة- احمد فتحي سليمان

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة