(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 22
جاسم محمد*
شبكة تجنيد النساء
اعتمد التنظيم سياسة استقطاب النساء وخاصة من العازبات، لغرض التزاوج مع المقاتلين، بعد فضائح وفتاوى جهاد النكاح في سوريا. الاستخبارات الغربية من جانبها كشفت اعداد من النساء الاوروبيات من المانيا والنمسا وفرنسا ودول اوروبية اخرى للإتحاق “بالجهاد” مع داعش بعد اعلانها تشكيل كتيبة الخنساء الخاصة بالنساء وهي سابقة “جهادية” اي مشركة النساء في القتال ميدانيا. ومتابعة الى اسباب تركيز “داعش” على النساء، تبين بسبب تأثيرهن الاعلامي في كسب المقاتلين والمقاتلات، بعد ان كشفت الاستخبارات الاوروبية عن وجود شبكة نساء سلفيات على الشبكة العنكبوتية تستغل وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنيت. ونشر التنظيم في اصداراته، تعليمات الزوجات الصالحات للزواج بمقاتليه وشروط الزواج مع اقامته دورات للتدبير المنزلي والطبخ، هو يحاول ان يعطي صورة الادارة والتنظيم في “دولته” عكس ما يجري في سوح القتال من قطع رؤوس.
وكشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية في تقريرها الصادر في 3 سبتمبر 2014 عن تدهور الاوضاع الامنية في سوريا، بعدما سيطرت داعش على مدينة الرقة السورية وقيام التنظيم بتأسيس كتيبتين للنساء، تحمل الاولى اسم “الخنساء” والثانية باسم “ام الريحان” ومهمتها القيام بمهمات تفتيش النساء على الحواجز وشرح “تعاليم الاسلام للنساء وتوعيتهن على كيفية التقيد بها”. وافاد حقوقيون سوريون بان تنظيم “الدولة الاسلامية” فتح مكتبا خلال شهر يوليو 2014 في شمال سورية يتيح للأرامل والنساء غير المتزوجات تسجيل اسمائهن للزواج من مسلحي التنظيم. وفقا الى تقرير وكالة رويترز فان مقر المكتب يقع في بلدة الباب شمال شرق حلب ويختص بتسجيل اسماء النساء وعناوينهن حتى يتسنى لمقاتلي داعش التوجه الى اسرهن لطلب الزواج منهن رسميا وسبق ان وردت تقارير اشارت الى ان مقاتلي داعش يبحثون عن زوجات او يجبرن النساء على الزواج في مناطق خاضعة لسيطرة التنظيم.
تجنيد نساء اوروبيات
وشهدت الدول الاوروبية الكثير من التحاق قاصرين وشباب “بالجهاد” في سوريا، هذه التفاصيل بدأت تكشف عنها اجهزة الاستخبارات الاوروبية. وبهذا الخصوص تقول “كلاوديا دنتشيكن” الخبيرة في قضايا التطرف الاسلامي في برلين ” ان المثير في الامر وجود مجموعات نسائية نشيطة جداً داخل المحيط السلفي.”وان الكثير من النساء المسلمات بما في ذلك الالمانيات اللواتي اعتنقن الاسلام ينجذبن للتيار السلفي لأنهن يبحثن عن دور واضح ومحدد للمرأة وهو كونها ربة بيت وام ومعينة للرجل. وتقوم الكثير من النساء المقتنعات بالفكر السلفي بالدعاية ومساعدة الرجال في الامور التنظيمية ويشرفن ايضا على بعض مواقع الانترنت المتشددة التي تدعو الى القتال. وحسب “دانتشكه” فان هؤلاء النسوة يحرصن على نشر مقاطع الفيديو وتصريحات ونشاطات المقاتلين. واثار سفر فتاة المانية لا تتعدى 16 عاماً الى سوريا خلال ابريل 2014 والتحاقها بالمقاتلين الاسلاميين الكثير من الجدل داخل المانيا، خصوصا في ظل تزايد نسبة الفتيات السلفيات اللواتي اصبحن يغادرن بمفردهن الى سوريا لتقديم الدعم للمقاتلين هناك. انا الان لدى القاعدة” عبارة كتبتها سارة لصديقاتها بمجرد وصولها لسوريا. وهو ما اثار صدمة في صفوف تلاميذ مدرستها في مدينة “كونستانس” جنوب المانيا. بعد ذلك كتبت طالبة الثانوية، والتي لم يكن عمرها عندما غادرت المانيا خمسة عشرة عاماً، في مواقع التواصل الاجتماعي “نقدم الدعم لازواجنا في القتال ونلد مقاتلين.”
يقول دافيد طومسون مؤلف كتاب ” الفرنسيون الجهاديون” بانه ليس هناك صورة واحدة “للجهاديين” الفرنسيين الا انّه اشار بانّ هناك نقطة مشتركة بينهم تتمثّل في العودة الى الاسلام او اعتناقه مؤخّرا.” وفي تقرير صدر عن مركز الوقاية ضدّ الطائفية المتعلّقة بالاسلام – الذي حلّل حالة 55 عائلة- يكشف عن انّ الشباب الذي يعاني من مشكلات اجتماعية وعائلية ليس فقط المتضرّر بل اضاف انّ “اغلبيتهم من طبقات اجتماعية متوسّطة او عليا. اما “جان بيير فيليو” الاستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس، كشف ايضًا عن التفاوت في ملفات “الجهاديين” فهناك فئات مختلفة: اسر ملحدة وكاثوليكية ومسلمة، مفكّكة او متماسكة، مندمجون في المجتمع او منبوذون، من الضواحي او من المدن. ويعدّ الغسيل الأيديولوجي احد ابرز اساليب التجنيد الذي يدفع بأعداد الشباب والصبيان والقاصرين والقاصرات الى تبني هذا “الفكر” والايدلوجية التي تزداد نشاطا مع استمرار الفوضى والصراعات في المنطقة ابرزها الخط “الفالق” سوريا. وهنالك اجماع بين مراكز الدراسات والاستخبارات على ان الجماعات اصبحت انشط “ايدلوجيا” وهذا يبرهن النظرية التي تقول لا يوجد حسم عسكري مع التنظيمات “الجهادي” برغم ضرورته.
البحث عن الهوية
وبحسب المكتب الاتحادي لحماية الدستور في المانيا، فان هؤلاء “الجهاديين” يرفضون الاندماج في المجتمعات الاوروبية ويتركز هؤلاء الدعاة بنحو خاص في مدن “مثل كولونيا ودوسلدورف وبوخوم وفوبرتال وزولينغن” كما تعدّ مدينة بون احد معاقل السلفية في المانيا وكذلك مدينة فرانكفورت، حيث تمثل معقل للسلفيين في المانيا ولهم علاقات واسعة مع شبكات مسلحة متطرفة تدار في مصر وسوريا واليمن والعراق وافغانستان ودول اخرى. وفي تصريح الى رئيس مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية في المانيا، ان المانيا ليست مهددة فقط من قبل الإرهاب الدولي ولم تعد ممرا للإرهابيين بل اصبحت مسرحا لعمليات الإرهاب التي يقوم بها ارهابيون بدوافع دينية.
فلم يعد السفر الى سوريا للالتحاق بالمقاتلين الاسلامين يقتصر على المتزوجات، بل اصبح يشمل ايضا الشابات العازبات، كما يؤكد رئيس مكتب حماية الدستور في المانيا “هانز جورج ماسين” مؤكداً انهن يقمن بذلك انطلاقاً من قناعتهن الشخصية. ولوحظ هذا التوجه ايضا في بريطانيا. وعلى وفق تقرير صدر حديثا عن “المركز الدولي لدراسة التطرف” فان عدد البريطانيات اللواتي يسافرن الى سوريا في تزايد، حيث يتزوجن هناك بمقاتلين تعرفن عليهم في وسائل التواصل الاجتماعي وهؤلاء النساء يرون في المقاتلين الاسلاميين ابطالا ويحلمن بالزواج من “مجاهد”.
جهاد النكاح
ظهر”جهاد المناكحة” او “جهاد النكاح” في اعقاب فتوى نُشرت على صفحة الداعية السعودي محمد العريفي على موقع “تويتر” الذي كتب فيه ان : [زواج المناكحة التي تقوم به المسلمة المحتشمة البالغة 14 عاماً فما فوق او مطلّقة او ارملة، جائز شرعا مع المجاهدين في سوريا، وهو زواج محدود الاجل بساعات لكي يفسح المجال لمجاهدين اخرين بالزواج، وهو يشدّ عزيمة المجاهدين، وكذلك هو من الموجبات لدخول الجنَّة لمن تجاهد به]. ونشرت صحيفة “الشروق” التونسية في عددها الصادر في 22 سبتمبر 2013 قصة “لمياء”، الفتاة التونسية التي اقتنعت ان “المرأة يمكن لها المشاركة في “الجهاد” والقضاء على اعداء الاسلام، بالترويح عن الرجال!
اما الشيخ مزهر الملا خضر، شيخ عشيرة البو فهد، في حديث له مع راديو العراق الحر، فقد حمّل المتضررين من العملية السياسية، مسؤولية اختراق القاعدة وداعش للمجتمع العراقي واستغلال النساء بأشكال مختلفة، لافتا الى ان تنظيم داعش يُغري مسلحيه بالجنس والجداًول الزمنية لما يسمى بـ “جهاد النكاح” لكنه اكد ان عددا قليلا من النساء العراقيات تزوجن من مسلحي داعش، لان معظم العوائل الانبارية هجرت مناطقها ونزحت الى اقليم كردستان ومناطق اخرى بعد سيطرة داعش على مناطقها.
فالتنظيم يستخدم المرأة ايضا مادة في خطابه الدعائي بكسب مزيد من الجمهور واعداد من المقاتلين، عندما يطرح نفسه مدافعا عن المرأة ويدعو الى فك اسر ” الحرائر” في معتقلات الانظمية، فقد استثمر داعش قضية ساجدة الريشاوي في خطابه خلال شهر فبراير 2015 مطالباً الافراج عنها مقابل اطلاق سراح الطيار الشهيد معاذ الكساسبة، وكان التنظيم غير نزيها في طلبه كون معلومات الاستخبارات الاردنية كشفت عن اعدام التنظيم للكساسبة في 3 يناير 2015 . وحاول التنظيم استنساخ القضية عندما اعلن في 14 فبراير 2015 استعداده باطلاق سراح اقباط مصر الواحد وعشرين الذي اعتقلهم في ليبيا وهم مواطنين عزل كانوا في ليبيا لطلب الرزق مقابل تسليم كاميليا شحاته ووفاء قسطنطين، اللتين تحولتا من المسيحية الى الإسلام واصبح مصيرهما غامضا في مصر. فالتنظيم نجح باستعمال المرأة في خطابه من اجل الحصول على استقطاب اعلامي وسياسي يتفاعل مع المرأة اكثر من غيره.
اصبح دور المرأة عند داعش مزدوجا بل متعدد الاغراض، فبرغم الدور الميداني في سوريا والعراق الذي يتضمن القيام بعمليات انتحارية وجمع معلومات وتجسس ومراقبة، فان الدور الاكثر اهمية لنساء داعش خاصة من الاوروبيات هو الدور الاعلامي على الشبكة العنكبوتية وتشكيل خلايا عمل تقوم بإيجاد تواصل اجتماعي بين النساء من اجل كسب مزيدا من النساء والشباب ويفسر ذلك على ما تتمتع به المرأة من دور مؤثر على الاشخاص اللذين يخضعون للتجنيد. ويبقى هاجس الاستخبارات خاصة في دول اوروبا والغرب هو نشاط خلايا انثوية من الداخل لتنفيذ عمليات ارهابية وقيامهن بدور اعلامي “دعاية جهادية” يشجعن على مزيد من قطع الرؤوس.